في الوقت الذي يركز فيه ملايين الناس حول العالم أنظارهم على الربيع العربي وما يجري من تطورات في العالم العربي، يتطلع آخرون إلى إيران في محاولة لرؤية ما إذا كان الربيع العربي يمكن أن يؤثر على هذه الدولة أيضا.
إذا تركنا العقوبات المفروضة على الاقتصاد الإيراني والبنك المركزي، ومؤخرا على النفط الإيراني، يريد المراقبون أن يروا إذا كانت هناك أي صدامات ستجري بين الشعب والحكومة خلال الأشهر القادمة، مثلما حدث في صيف 2008 عندما تظاهر ملايين الإيرانيين في طهران والمدن الإيرانية الرئيسية الأخرى للتعبير عن غضبهم من نتائج الانتخابات الرئاسية المثيرة للجدل في ذلك الوقت.
مير حسين موسوي ومهدي كروبي كانا مرشحين للرئاسة، وقد ادعيا في ذلك الوقت أن الانتخابات تعرضت للتزوير وأصبحا من أبرز قادة المعارضة. بعد مقتل بعض الناس في شوارع طهران أثناء المظاهرات الاحتجاجية واعتقال البعض الآخر، انسحب باقي المتظاهرين الشباب من الشوارع وعادوا إلى حياتهم الطبيعية. وبعد أن انتهى النظام من التعامل مع المواطنين العاديين، حان وقت توجيه درس قاس إلى الصحفيين الإصلاحيين وقادة الحركة الاحتجاجية، التي أطلق عليها اسم "الحركة الخضراء". وهكذا صدرت أحكام بالسجن على معظم قادة الحركة، ونفي البعض من مدنهم، ومنع البعض من الكتابة أو المشاركة في الحياة السياسية لسنوات.
بعض المعارضين البارزين اختاروا مغادرة إيران والمنفى الاختياري لمتابعة الكفاح من الخارج، أما الذين بقوا في إيران فتعرضوا لعقوبات شديدة. معظم السياسيين المعارضين تم اعتقالهم وتوجيه تهم بتهديد الأمن القومي، ومن بينهم بعض الرموز الثورية المعروفة الذين سبق لهم أن خدموا في الحكومة سابقا وفجأة أصبحوا إصلاحيين ومعادين للنظام الحالي، وعلى رأس هؤلاء كان موسوي وكروبي. كان من بين الإيرانيين من لا يثقون أو يدعمون قادة المعارضة، لأن هؤلاء الأشخاص بالنسبة لهم كانوا لا يزالون يمثلون النظام القديم نفسه لكن جاءتهم الفرصة لإظهار غضبهم وعدم رضاهم.
لم يتعرض أي من مير حسين موسوي ومهدي كروبي لأي أذى. لكن موسوي لم يكن له أي نشاط سياسي يذكر لمدة عام، وحددت مشاركاته ببعض التصريحات على موقعه على الإنترنت من وقت لآخر. ولكن في العام الماضي طلب الزعيمان في بيان مشترك من أنصارهما أن يقوموا بمظاهرة في 14 فبراير لإظهار تأييدهم للربيع العربي. تأييد الشعوب في مصر وتونس كان الهدف من وراء دعوة المؤيدين، لكن وزارة الداخلية لم تمنح المظاهرات التصريح اللازم، مما أدى إلى مزيد من المصادمات بين المتظاهرين والشرطة الإيرانية، ونتيجة لذلك قتل شخصان، ومن ثم تم وضع كل من مير حسين موسوي ومهدي كروبي وزوجتيهما تحت الإقامة الجبرية، وتم عزلهما تماما عن العالم الخارجي.
لا تزال هناك صور تبين المتظاهرين يصرخون في الشوارع "إذا اعتقل موسوي، إيران ستضطرب". في 14 فبراير مرت سنة كاملة على وضع موسوي وكروبي وزوجتيهما قيد الإقامة الجبرية. وقد أطلق سراح زوجة كروبي بعد عدة أشهر، لكن زوجة موسوي لا تزال معتقلة.
وقد سمحت السلطات لكروبي وموسوي بين الحين والآخر بلقاء عائلتيهما، وتمكنا أحيانا من تمرير رسائل إلى مؤيديهما وإلى القضاء الإيراني لمحاكمتهما أو إطلاق سراحهما، لكن النظام الإيراني لا يصغي إلى هذه الدعوات رغم أن بعض كبار رجال الدين ورئيس إيران السابق محمد خاتمي طالبوا بإطلاق سراح الزعيمين.
إن اعتقال موسوي وكروبي لم يؤد إلى انتشار الاضطرابات في إيران. الناس مشغولون في حياتهم اليومية وتأمين تكاليف المعيشة المرتفعة بحيث لم يتبق لديهم ما يكفي من الطاقة والشجاعة للمخاطرة بحياتهم ومواجهة النظام. في الذكرى السنوية لاعتقال كروبي وموسوي دعت بعض جماعات المعارضة المرتبطة مع الحركة الخضراء إلى مظاهرات سلمية. كانت الخطة هي جمع أكبر عدد ممكن من المتظاهرين في شوارع طهران في مظاهرة سلمية لإثبات أن الحركة الخضراء لا تزال حية والمطالبة بإطلاق سراح موسوي وكروبي من الإقامة الجبرية.
ورغم ظهور شرطة مكافحة الشغب في وسط طهران، في المكان المحدد لبدء المسيرة السلمية، لم تحدث أية مصادمات ولم تستطع أجهزة الإعلام العالمية أن تسجل أي وجود للمتظاهرين. كان النظام مستعدا لقمع أي مظاهرة، لكن الإيرانيين كانوا أذكى من أن يقعوا في فخ مواجهة المليشيات. ومع ذلك كانت هناك تقارير عن تجمعات متفرقة في مناطق مختلفة من طهران.
ربما ما يشغل بال ملايين الإيرانيين هذه الأيام هو الأزمة الدولية التي تواجهها إيران وفيما إذا كان البلد سيدخل مواجهة حقيقية مع الولايات المتحدة أو إسرائيل. كابوس الحرب والأيام القاتمة للعقوبات على النفط الإيراني مع بداية الصيف القادم لن تترك أي مواطن دون أن يتأثر بشكل مباشر. أسعار البضائع والسلع ترتفع بشكل يومي ولم تترك أي مجال للمواطنين العاديين للتفكير بالمصير المحزن لمير حسين موسوي ومهدي كروبي اللذين مضى على وجودهما قيد الإقامة الجبرية عام كامل. وبقدر ما كان المراقبون والإعلاميون ينتظرون حدوث شيء ضد النظام في 14 فبراير، من المؤكد أن مير حسين موسوي ومهدي كروبي كانا يصغيان باهتمام أملا في أن يسمعا أصوات المتظاهرين تنادي باسميهما قرب مكان اعتقالهما.
ما يمكن أن نتعلمه من سلوك الإيرانيين هو ما يقال عنهم دائما من أنهم شعب المفاجآت. لقد فاجأوا العالم بالثورة الإسلامية من 33 سنة، وفاجؤوه بانتفاضتهم عام 2008 التي ألهمت الكثير من الدول العربية والإسلامية. إن ما جعل الإيرانيين ينزلون إلى الشارع في 2008 لم يكن في الواقع تأييد موسوي وكروبي، كانت سنوات الإحباط الطويلة هي الدافع الحقيقي الذي جعلهم ينزلون إلى الشارع ببسالة ويطالبون بالتغيير. إن التغيير الذي يطالب به الإيرانيون كان أهم من مجرد تأييد رموز المعارضة. كانت فرصة لإطلاق كل ذلك الغضب والرفض الذي كانوا يشعرون به تجاه النظام. الجميع يعرفون بوضوح إلى أي مدى أصبح النظام عسكريا، ويرون السلطات المطلقة التي يتمتع بها المرشد الأعلى للثورة آية الله خامنئي، بحيث أصبح فوق الدستور وفوق حتى الرئيس المنتخب.
ورغم كل المصاعب السياسية والاقتصادية التي يشعر بها الإيرانيون فإنهم لن يكونوا مطيعين دون قيد أو شرط للنظام، وقد أظهر التاريخ أنهم سينتظرون لحظة أقل خطورة لمفاجأة العالم مرة أخرى.