خلال سنوات قليلة انتقلت مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية من مرحلة "الحلم" والبحث والدراسة، إلى مرحلة "الحقيقة" والتنفيذ والإنتاج، ليس ذلك فقط وإنما تستعد الآن إلى تصدير التقنية التي صنعها سعوديون، من ذوي الشعر الأسود والعيون السوداء، ومن يرتدون الشماغ والثوب.
كلمات بسيطة أطلقها رئيس مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، الدكتور محمد السويل في حواره مع "الوطن"، لخص من خلالها منجزات المدينة وأهدافها، كاشفا عن إدراكه العميق لطبيعة المرحلة التي تعيشها المملكة، وحلم مواطنيها بتصنيع التكنولوجيا بدلا عن الاعتماد الكلي على استيرادها.
بدأ الحوار بمكاشفة حول أسباب ضعف التواصل المجتمعي لمدينة العلوم والتقنية، وندرة تواجدها على الساحة الإعلامية، وامتد ليكشف عن منجزاتها، وانتهى إلى التأكيد على مواصلة الجهود للمشاركة في عمليات التنمية الواسعة بالمملكة.
قال الدكتور السويل: إن قلة تواصل المدينة مع بيئتها الخارجية يرجع إلى عدم وجود توجه إعلامي لديها وقد جرت معالجته مؤخرا. وأعلن عن تحول المملكة من مستورد للتقنية إلى مصدر لها، وإنشاء معهد للتقنية العالية، ورفع المحتوى العربي على الإنترنت 5 أضعاف، وكشف عن مدونة البليون كلمة.
وبيّن أن هياكل الأقمار الفضائية التي أطلقت المدينة أولها عام 2002، صُنعت في إحدى ورش المدينة الصناعية "وسط الرياض"، وقال "أطلقنا 12 قمرا صناعيا، صممتها وصنعتها "المدينة" بالكامل، محليا، وعندما بدأنا أولى مراحل التصنيع بالمدينة قبل أكثر من 8 أعوام، كانت عملية القص تحتاج إلى أن يكون مقاس القمر دقيقا جدا لكي يستقر على القاعدة الموجودة في الصاروخ الذي أطلق من كازاخستان، ويستوعب من 6 إلى7 أقمار، وبعد أن أعطونا متطلباتهم ذهبنا إلى صناعية الرياض، وقلنا لهم نريد منكم القيام بعملية القص، فأخبرونا بعدم استطاعتهم، حيث يتطلب ذلك آلات دقيقة، فجلبنا لهم الآلات، وتمت عملية القص".
وأضاف: عندما وضعنا القمر على قاعدة الصاروخ للإطلاق، ومعنا أقمار بريطانية، وإيطالية وماليزية، كان القمر السعودي هو الوحيد الذي ركب من أول مرة، في حين احتاج الآخرون إلى عدة عمليات حتى يتم ذلك، ولم يكن تميزنا في التصنيع فقط، بل في دقته وصناعة الهيكل.
وبيّن أن مجالات الأقمار الصناعية التي أطلقتها المدينة تتركز في الاتصالات والمراقبة بالصور والفيديو، وتستفيد منها المملكة بشكل كبير، وآخر استخداماتها كانت في كارثة سيول جدة، مشيرا إلى أن عام 2013 سيشهد تدشين أول محطة لتحلية المياه تعمل بالطاقة الشمسية في الخفجي.
وإلى نص الحوار:
تعتبون من عدم وجود فهم واضح من قبل الناس لدور المدينة، هل يعني ذلك وجود مشكلة في التواصل بينكم وبين البيئة الخارجية؟
هناك جانبان لهذا العتب، الأول تلام عليه المدينة نفسها لأنه إلى عهد قريب لم يكن لديها توجه إعلامي قوي يعرفها برجل الشارع العادي، لكن الآن باتت لديها شركتان متخصصتان في الإعلام، وتمكنا من الوصول إلى العديد من شرائح المجتمع وليس جميعها، أما الجانب الثاني فتتحمله الصحافة التي لا تساعدنا على نقل المعلومات، وتركز فقط على السلبيات مثل "لماذا تأخر ذلك، ماذا كلف، وما الجديد؟".
ربما يكون السبب أن المعلومات الصادرة من المدينة غالبا تأخذ الطابع العلمي، ولا يفهمها الأشخاص العاديون؟
هذا صحيح إلى عهد قريب، ولكن عندما أتينا بشركات الإعلام، وأعادت رسم الصورة الخاصة بنا، والتصاميم، ولقيت أصداء إيجابية، والآن لدينا قطاع دعم البحث العلمي، يتضمن برامج كثيرة عبارة عن التوعية العلمية، جزء منها سيوجه إلى المدارس الابتدائية، ونختار من كل مدرسة أفضل 5 أو 10 طلاب، ونطلق عليهم تسمية "عالم المستقبل"، نمنحه عدة امتيازات، كذلك لدينا أسبوع التقنية لعرض المدينة على قطاع كبير من الناس، ومما سرني أننا في السابق كنا نقول "سوف نعمل" و"تحت الدراسة"، ولكن في الأسبوع الأخير للتقنية تحولنا إلى "عملنا" و"هذه منتجاتنا"، وقريبا سنعمم هذا المعرض على مناطق المملكة، حيث تلقينا طلبات من المناطق لإقامة أسبوع التقنية فيها، ووقعنا اتفاقيات.
في الوقت الذي تعاني فيه المدينة من عدم الفهم لدورها بشكل واضح، هناك اتهامات باقتصار المدينة على التواصل مع الشرائح النخبوية، وبعدها عن الشريحة العامة، فكيف تقيّمون دوركم؟
لا ننكر أننا نجد صعوبة في الوصول إلى رجل الشارع، وهناك 3 فئات نسعى إلى الوصول إليها أولها ولي الأمر، وقام خادم الحرمين الشريفين بزيارتنا، وأعطى لمن حوله انطباعا إيجابيا جداً، وأوصى الوزراء بزيارة المدينة، وبعد زيارته تيسرت كافة أمورنا مع كل الوزارات، ولم نواجه أي مشاكل، والفئة الثانية هي الجامعات والمثقفون ومراكز البحوث، وعلاقتنا بهم كالإخوان في البيت الواحد، نختلف ولكننا نعود ونتفق، والفئة الثالثة هي العامة ونسعى إلى تحسين التواصل معهم.
التعاون البحثي
تتعاون المدينة في تطبيق السياسة الوطنية لتطوير العلوم والتقنية مع عدة جهات، هل تعمل مراكز الأبحاث في تلك الجهات برؤية المدينة، أم تعمل بشكل مستقل؟ وهل هي علاقة تكامل أم انشقاق؟
ليس من المناسب أن تفرض المدينة رؤيتها على الجامعات، لكن الخطة الوطنية فيها لجنة إشرافية عليا، تتضمن ممثلين للجامعات، وتقوم بعملية التنسيق، ونحن لا نمنع الجامعات من الدخول في مجالات تعمل عليها المدينة.
لكن، هل توجد آلية لمنع التداخل والتضارب والتكرار خلال العمل على البحوث المتخصصة، بين المدينة والجامعات؟
التداخل بحد ذاته ليس سيئاً، بشرط ألا يزيد على الحد، وقد أنشأنا 3 مراكز للابتكار التقني في الجامعات، طرحت عبر منافسة عامة بين جامعات المملكة، وفازت بها جامعة الملك فهد للبترول والمعادن وجامعة الملك عبدالعزيز، وجامعة الملك سعود، تتولى المدينة جزءا من تمويل الأبحاث بها.
أعلنت المدينة عن إطلاق مشاريع تقنية كبيرة، منها مشروع الطاقة الشمسية، هل يمكن إعطاؤنا لمحة عنها، وماذا عن دور المدينة فيها؟
في الربع الأول من 2013 سيشرب سكان الخفجي مياه محلاة عن طريق الطاقة الشمسية من إنتاج المدينة، أما موضوع الطاقة ككل فقد تركز في مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية المتجددة بعد إنشائها، ولكن مازالت المدينة تقوم بمشاريع أبرزها الطاقة الشمسية، بناء على خبرتها الطويلة في ذلك وكادرها الوطني، ومن الأمثلة على المشاريع أن المدينة صممت وصنعت وأطلقت 12 قمرا صناعيا تدور حول الفضاء حتى الآن، دون أن يقع أي منها، تستمد طاقتها من الشمس، وعملنا بالقرية الشمسية كان هو الأساس الذي بنيت عليه ألواح الطاقة الشمسية، التي نستخدمها في الأقمار السعودية، التي صنعت وصممت محليا، بيد أن دولا أخرى عندما أطلقت أقمارها معنا وقعت، والسبب أن عملهم بالطاقة الشمسية ليس بجودة عملنا.
وأنشأنا في القرية الشمسية بالمدينة مصنعين صغيرين، لصنع الألواح الشمسية، لبناء محطة التحلية بالخفجي، وآخر لبناء المرشحات، والهدف هو إنتاج التقنية محليا بدلا عن استيرادها.
تبني "المدينة" للشباب فكرة ممتازة، ولكن مالفرق بين ماتقوم به المدينة وبين "موهبة"؟
"موهبة" خرجت من رحم المدينة، لكنها تركز على قطاع الموهوبين من صغار السن، والمدينة تساهم في ذلك، ولكن إذا توجهنا للموهوبين فقط ونسينا السواد الأعظم، فسوف نخسرهم، وهم من تستهدفهم المدينة عبر برامجها بشكل أكبر.
هل سيكون للمدينة دور أساسي في اكتشاف الطاقات العلمية مستقبلا عبر تنميتها ورعايتها وتبنيها بشكل كامل؟
التنمية والرعاية هو دور المدارس، والمؤسسات الخاصة بذلك، لكن دورنا هو الحث على التخصص في العلوم، وعندما نرى نظام التعليم العالي، نجد نسبة المتخصصين في العلوم والتقنية قليلة جدا لا تتجاوز 5%، لذلك نعمل على تسليط الضوء على التقنية والعلوم، واستقطاب الشباب، وزيادة المتخصصين في العلوم من 5% إلى 20%، وهو ما سيحقق إنجازا كبيرا للبلد، وليس فقط للمدينة.
لكن هذا ربما يعود إلى عدم وجود مسارات عملية للتخصصات العلمية في الواقع العملي، فالمتخصص في العلوم، في النهاية لا يجد سوى مجالات التعليم غالبا، ولا توجد مراكز علمية تقدم الفرص الوظيفية للخريجين.
إذا استثنينا الكيمياء والفيزياء هناك مجالات وظيفية في قطاعات عريضة مثل الهندسة بمجالاتها المتعددة، الاتصالات، وتقنية المعلومات، وأعتقد أن هناك حاجة في البلد للمتخصصين في العلوم.
لكن وزارة التعليم العالي، لا تعترف بالكليات التقنية، سواء من حيث حساب الساعات أو من حيث الشهادات، ولا تعتمدهم كخريجين بحيث يواصلون الدراسات لمستويات أعلى.
إذا كان هذا صحيحا، فبعد إنشاء معهد التقنية العالية، قد يكونون ـ في رأيي الشخصي ـ أفضل من خريجي البكالوريوس في مواقع أخرى، ونتوقع من التعليم العالي قبولهم، وسنسعى إلى الحصول على الاعتراف بهم ودخولهم في برامج الماجستير.
أسئلة استفزازية
لو انتقلنا إلى خطة خادم الحرمين الشريفين في رفع نسبة المحتوى العربي على الإنترنت، حيث قامت المدينة بعدد من الجهود في هذا الشأن، لكن البعض ما زال يرى أن المحتوى مازال يعاني من ضعف؟
هذا من الأسئلة الاستفزازية، ولكن سأخبرك عن الحاصل في هذا الشأن، فعندما بدأنا بتطبيق الخطة قبل عامين ونصف العام، كان معدل المحتوى العربي ثلث نقطة بالمئة، وهي نسبة مخجلة، مقارنة بما يجب أن يكون عليه المحتوى العربي على الإنترنت، والمفترض أن تكون النسبة من 5 ـ 6%، وهي نسبة الناطقين باللغة العربية، والآن وصل المحتوى بعد عامين ونصف العام إلى خمسة أضعاف ما كان عليه، حيث بلغ نسبة 1.5%، ويعد إنجازا كبيرا جدا خلال عامين.
ما الجهة التي قيّمت تلك النسبة؟
شركة جوجل، وليس نحن، علما بأن تقديراتنا الخاصة كانت 4 أضعاف، ولكن جوجل أعطانا إحصائية تؤكد ارتفاع المحتوى العربي 5 أضعاف.
ما دور المدينة بالتحديد، وكيف رفعت نسبة المحتوى العربي على الشبكة؟
ارتأينا أن نقوم بتطبيقات مفتوحة لكل العالم العربي بدلا عن اتباع الأسلوب التقليدي بالمسح الضوئي لكتب عربية وقديمة، وأنشأنا مدونة نهدف أن تصل إلى بليون كلمة عربية، ندون فيها جميع كلمات اللغة العربية، من قبل الإسلام وحتى الآن، وأعدننا القاموس التفاعلي على الإنترنت، ويقوم بالتحليل والصرف وإرجاع الكلمات إلى جذورها، وباحث على غرار جوجل، وهي مجانية ومتاحة للعالم العربي، وفي مجال الخطة الوطنية التي تتضمن 12 مجالا استراتيجيا، اخترنا 3 من أفضل الكتب في كل مجال منها، بثلاثة مستويات واشترينا حقوقها، وترجمناها إلى العربية، وسنضعها على صفحة المدينة، وتكون متاحة للجميع.
واتفقنا مع ناشر عالمي، لنشر عدد من المجلات العلمية بنسختين ورقية وإلكترونية، صدر منها العدد الأول، ومما يزيد من فخري أن أول عدد نشر فيه علماء من أفضل الجامعات ومراكز الأبحاث في العالم.
عودة للخطة الوطنية، هل يقتصر دور المدينة على التنسيق والتخطيط والإدارة لبرنامج الأبحاث الطبية، حيث لا يوجد شيء ملموس حتى الآن لهذا النوع من البحوث التطبيقية؟
المدينة لا يجب أن تدخل في البحوث الطبية التطبيقية، حيث لا تتوفر لدينا معامل على غرار المستشفيات الكبيرة، لذلك في المرحلة الأولى، عملنا على دعمهم والاستفادة من طاقاتهم، وتدريب منسوبينا لديهم.
وفي هذا المجال حققنا إنجازات طبية منها فك شيفرة جين النخيل والجمال، ولدينا القدرة على فك شيفرة أي جين بشري أو ما سواه، كذلك طورت المدينة قبل 6 سنوات تركيبتين دوائيتين، طورت محليا ولها براءات اختراع، تصنعها وتنتجها شركة أدوية وتبيعها في السوق.
أن المدينة رائدة في منتجات جديدة، مثلا جين الجمل هو اكتشاف مميز، ومهم جدا، إلا أنه يحتاج إلى تطبيقات استثمارية، جزء منها اقتصادي، وجزء من دور المدينة بحكم أننا مجتمع نام توعية القطاع الخاص لأهمية الاستثمار في صناعات معينة غير قادر على استيعابها، وإدراكها كونها حديثة؟
كلام صحيح، لكن تعاوننا مع القطاع الخاص، هو من طرف واحد، مثال على ذلك، منحت المدينة للشركات تقنية استزراع الأسماك، وعلاجها، وغذائها والآن كثير من مزارع الأسماك حول الرياض رابحة جدا ـ وهذا يسعدنا ـ وكذلك لنا تعاونات أخرى في مجال حفظ الأغذية بالتشعيع، ولكن بخلاف عدد بسيط من الشركات، لا يوجد تعاون حقيقي، لأن ثقافة البحث العلمي مع القطاع الخاص لاتزال ضعيفة، وللأسف الرغبات من الخارج تأتينا أكثر بكثير من الداخل، وطالبتنا عدة جهات خارجية، ولكننا منحنا الأولوية للمحليين.
حسنا، ألا تفكر المدينة في استثمار براءات اختراعاتها اقتصاديا؟
هذا السؤال ممتاز، ويقودني إلى الحديث عن ثقافتنا البحثية في المملكة بشكل عام، قبل سنوات كان هم الباحث هو أن ينشر بحثه في إصدار علمي مرموق، وينال الترقية، والآن تغيرت الأمور، من جانبي، وعلى مستوى المدينة أبلغتهم بأني لن أدعم أي بحث إلا إذا كانت له نتيجة، وتغيرت الثقافة قليلا.
معنى ذلك، أنك حاربت البحوث النظرية؟
لا، ليس كذلك، ولكن الأبحاث النظرية مجالها في الجامعات أولا، إلا أننا ندعم تلك البحوث إذا كانت على مستوى وطني، وكلفتها عالية على الجامعات بحيث لا تستطيع القيام بها، وبالنسبة إلى العلوم التطبيقية، فبعد أن تعاملنا مع بعض الشركات، اقترح علينا الكثيرون استثمار براءات الاختراع ضمن البحوث التي ننشرها، وفي السنة الأخيرة، حصلت أبحاثنا على مئة براءة اختراع من داخل المدينة، وفي الطريق سيعلن عن إقرار شركة قابضة، تملكها المدينة وصندوق الاستثمار (أو جهة أخرى) لتكون أحد منافذ منتجات المدينة، وسيحصل الباحث على جزء من عائد البراءات.
بشهادة "جوجل" زاد المحتوى العربي على الإنترنت 5 أضعاف
انطلاق محطة تحلية مياه الخفجي التي تعمل بالطاقة الشمسية عام 2013
هل تسعى المدينة، على غرار بعض الجهات ـ كجامعة الملك سعود التي لديها مشروع للأوقاف
ـ إلى أن تكون لديها مشاريع استدامة واكتفاء ذاتي من الناحية التمويلية، وعدم الاقتصار على الدعم الحكومي؟
الدعم الحكومي ليس عيبا، وإذا حصلت على الدعم من مصادر أخرى، فقد تملي عليك مجالات البحوث التي تبحثها، والحكومة الآن، وعلى الأخص خادم الحرمين الشريفين، لديه اهتمام كبير جدا بالبحث العلمي عامة، وبالمدينة خاصة، ولذلك أسجلها بكل فخر، وليس نفاقا مع وزير المالية، "لم نطلب من الوزارة شيئا وبخلوا به". وهذا الأمر ذكرته للمسؤولين، ففي كل دول العالم لا أحد يشكر وزارة المالية، لكنني أشكر الوزارة والوزير، حيث لم نطلب منه شيئا ـ دون استثناء ـ وتم رفضه، وفي رأيي أن الوقت غير مناسب حاليا للأوقاف، علما بأن المدينة لها مواردها المتعددة، عبر الاستشارات والبحوث الفضائية وغيرها، إلا أنه لا يجب الاعتماد عليها وحدها.
لو تحدثنا مرة أخرى عن براءات الاختراع ـ قد تجده سؤالا استفزازيا من وجهة نظرك ـ إلا أن البعض مازال يقول إن الإجراءات بيروقراطية.
"مقاطعا" أعرف سؤالك، وفعلا هو استفزازي، ألم تقرأ ما كتبناه قبل مدة؟
بلى، كتبتم عن تقليص فترة الحصول على براءة الاختراع .
الأرقام تتكلم عن نفسها، المدينة الآن استلمت 14770 براءة اختراع للتسجيل، وبتت فيما يقارب من 87% منها، وهي نسبة جيدة، وهناك من يقول إنها تتأخر، ولكن دعنا نناقش هذه الحالات، اعطوني أي شخص منح براءة اختراع وقسم عدد السنين على عدد براءات الاختراع، وستجد أن المدة لم تتجاوز عامين ونصف العام إلى ثلاثة أعوام، وهو المعدل العالمي، ولك أن تسأل.
هل يعد تبني بعض براءات الاختراع ودعمها أحد أدوار المدينة، أو أنها تكتفي بإصدارها؟
نعم هو كذلك، فنحن نقوم بمساعدة المخترعين، وتوفير كافة الإمكانات والمعامل لتطوير الاختراع، دون مقابل، والملك أمر بموازنة خاصة لدعم المخترعين، وأوكل المدينة بذلك، لذلك يأتي عدد منهم، ونقيّم استحقاقه للمساعدة، وكذلك تستقطب حاضنات التقنية هؤلاء المخترعين، وتمنحهم مكاتب، ودعما قانونيا وماليا، ودعما فنيا.
حسب معلوماتنا، فإن تسجيل براءات الاختراع يكون داخل النطاق المحلي فقط، دون أن يمتد إلى النطاق العالمي.
وقّعت السعودية على اتفاقيات دولية، تخص نظام براءات الاختراع، لذلك فإننا نصدر براءات اختراع محمية في جميع الدول الداخلة ضمن الاتفاقية.
يدور الحديث الآن عن ترشيد الطاقة، وهناك المركز السعودي لكفاءة الطاقة الذي يمثل البرنامج الوطني لإدارة وترشيد الطاقة، الذي حولته "المدينة" من مركز موقت إلى مركز دائم.
كم تتوقعون نسبة خفض الطاقة في السنوات المقبلة؟
"مازحا" هذا أول سؤال غير استفزازي، وهو سؤال مهم جدا، لأن نمو استهلاك الطاقة حاليا يقارب 6 ـ 7%، وهي نسبة عالية جدا، وهذا النمو لا يصاحبه نمو اقتصادي مبني على استهلاك الطاقة، حيث يفترض أن يكون موازيا لنمو الاستهلاك أو أعلى منه، والسبب أن نسبة كبيرة من الاستهلاك فيها إهدار، والمركز الآن يسعى إلى وضع خطة لتقليص معدل النمو، دون أن يضر براحة المواطن ورفاهيته، ونتوقع عبر المركز خفض استهلاك الطاقة حتى يصل إلى 4 ـ 5%.
صناعة السيارات
مشروع البنية التحتية لصناعة السيارات، هو أحد مشاريعكم، ما التطورات الحديثة لهذا المشروع، وهل تتوقع أن يكون هناك إنتاج فعلي بشكل تجاري لصناعة السيارات في المملكة؟
لا أعتقد ذلك، حيث إنه من الصعب منافسة الدول الأخرى، لأن لديهم عمالة أرخص، لكن ما تقوم به المدينة في هذا الصدد ـ وأؤكد عليه لأن الناس خلطوا بينه وبين تصنيع السيارات ـ هو بناء قدرات محلية في مجالي تطوير المحركات الصديقة للبيئة، وتصنيع يخفض من انبعاث ثاني أكسيد الكربون، وهو جزء من المساهمة في تحسين صورة المملكة، بحكم أنها منتجة للبترول الذي يسهم في تلويث البيئة.
من أين تأتون بفريق الأبحاث في المدينة؟
نسبة السعوديين عندنا أكثر من 90%، وهم من خريجي الجامعات السعودية، وأساتذة الجامعات السعودية، وبعضهم نستقطبه ونقوم بتدريبه ونبعثه للدكتوراه والماجستير، ثم يدرب لدينا بشكل خاص، في مجال معين مطلوب لدينا، إضافة إلى الاستعانة بالخبرات الأجنبية، للعمل فترة محددة والتطوير، بهدف نقل التقنية.
هل يعقل وجود طاقات بشرية تغطي الاحتياج، خاصة ونحن نتحدث عن احتياجات مؤسسات علمية وبحثية كبرى، وشركات متخصصة كبرى مثل أرامكو وسابك، ومدينة الطاقة الذرية وجامعة الملك عبدالله؟
100% متوفر، ليس جميعهم من السعوديين، ولكن الغالبية منهم كذلك، وهناك طاقات سعودية أنا فخور بها، لكن لم يعطوا حقهم من البروز مثل نجوم الفن والرياضة، وهؤلاء نجدهم في أعرق جامعات العالم، يتحدثون مع أقرانهم ندا لند، وتنشر أبحاثهم في أرقى المجلات العلمية، وهنا لدينا العكس، والمدينة وفرت للباحثين بيئة علمية ومناخا مناسبا جدا، باستثناء الرواتب، ولكن هناك من الباحثين من لا يهتم بالماديات.
هل هناك تسرب لموظفي المدينة؟
نعم هناك تسرب كبير، والسبب أن سلم رواتب المدينة لا ينافس مع الجهات الأخرى، ونسعى الآن إما إلى تصميم سلم جديد أو إيجاد بدائل عبر البدائل والمزايا، لكن يسرني أن هناك من يأتي إلينا قادما من مؤسسات تدفع له 3 أضعاف ما نقوم بدفعه، وذلك بدافع حب العلم، ونحن في الطريق إلى الرفع للجهات العليا لتحسين الوضع.
ألا تعتقد أن كثرة التخصصات في المدينة، يشكل عبئا كونها جميعها تحت كيان واحد؟
لا، نحن نعمل بالتعاون مع عدة جهات، والخطة الوطنية للعلوم والتقنية عندما وضعت، وضعت بالتعاون مع وزارة الاقتصاد والتخطيط، وأُخذ في الاعتبار إمكان المدينة في تنفيذها.
توليد الطاقة
ماذا عن خروج الطاقة الذرية من المدينة واستقلالها؟
عندما تحدثنا عن استهلاك الطاقة، فإن ما سيستهلك في سنوات قليلة، يعادل 4 إلى 5 ملايين برميل، لا أعتقد أن هذا مقبول، لذلك فالبديل هو إما الطاقة الشمسية أو الطاقة الذرية، وبالنسبة إلى الطاقة الشمسية، فأنا متفائل بأن التحلية ستزيل عنا العبء الكبير من استهلاك براميل البترول، لكن محطات الكهرباء تستهلك ما لا يمكن توليده على مستوى كبير إلا باستخدام الطاقة الذرية، وعندما رأت الدولة أنه مجال تركيز خاص تفرعت الطاقة الذرية كمشروع مستقل.
* قبل فترة أقامت المدينة مؤتمرا تناول محور الأخلاقيات في البحث العلمي، كيف تجد توافق البحوث في المدينة مع أخلاقيات البحث؟
عندما بدأت المدينة في مجال البحوث الحيوية وقضايا الاستنساخ، والخلايا الجذعية، حضرنا مؤتمرا تناول أخلاقيات البحث العلمي، وتفاجأ الحاضرون ـ من ديانات متعددة ـ من أن الدين الإسلامي كفل للأبحاث العلمية المرونة والحرية طالما أنها لا تصل إلى الإضرار بالبشر، وذكروا أنهم لو ساروا حرفيا على شرائع دياناتهم لما أنجزوا البحوث. أما بالنسبة إلى ثقافة الأخلاقيات فليس لدينا فيها مشكلة، وقد يأتي باحث بعمل غير أخلاقي لكن لن يقر من قبل المدينة، وفي حال تعدى أحد، هناك جهة رقابية ولجنة إشرافية، وهي قائمة على مستوى التطبيق.