يحكي لي أحد العاملين في أحد المراكز الطبية أن مريضا احتاج لدم، فطلبوا من أبنائه أن يتبرعوا له.. ففوجئوا بهم يعتذرون! الأول قال: "ما فيني دم"، والثاني قال: "تعبان"، والثالث قال: "هذه مسؤوليتكم".. ولا أذكر بقية الأعذار! مما اضطر إدارة المركز ـ فيما يبدو ـ للبحث عن متبرعين آخرين!

ليس كل الناس لديهم الرحمة، وليس كل الناس لديهم استشعار الواجب الإنساني والاجتماعي، وليس كل الناس متجاوبين مع حملات التبرع بالدم.. وليس كل الناس يعرفون معنى وقيمة التبرع أصلاً. ما حكايتنا مع الدم هذا اليوم؟!

أمس نشرت صحيفة الاقتصادية حديثاً مهماً لمديرة بنوك الدم في المستشفيات الجامعية الدكتورة فرجة القحطاني، كشفت خلاله أن بلادنا تواجه نقصاً حقيقياً وخطيرا في كميات الدم المتوافرة لدى بنوك الدم في عموم البلاد، وأن مشكلة نقص الدم في السعودية تعد قضية خطيرة وشائكة، يمكن أن تتسبّب لاحقاً في كارثة صحية، فالدم المتوافر لدى بنوك الدم في المملكة هو للاستخدام اليومي ولا يسد إلا الحاجات الآنية فقط"!

ما وراء حديث الدكتورة يكشف أن كميات الدم المتوفرة لا تسد حاجة البلد في حال تعرضت لأي كارثة ـ لا سمح الله ـ ولذلك فما زلت عند قناعاتي القديمة بأن بعض القضايا لا تنفع معها التوعية والحملات التثقيفية.. بمعنى: لابد من إلزام الناس بتطبيق قيم التكافل الاجتماعي.. اليوم هناك عشرات الآلاف من الطلبة في الجامعات السعودية وما يقرب من مليون موظف حكومي مدني وعسكري، وغيرهم في القطاع الخاص، يفترض أن يكون التبرع إلزاميا عبر آلية معينة، تماما كما كانت الإدارة العامة للمرور تلزم الراغبين في الحصول على رخصة القيادة في السابق بالتبرع بالدم!

التبرع بالدم واجب إنساني يؤجر عليه الإنسان.. فإن لم يستشعر الناس ذلك فلا بد من إلزامهم به.