نبه كتاب (الإدارة بدون إدارة) لكل من ريتشارد كوخ وأيان جودون، الذي نشر في التسعينات من القرن الماضي لعصر ما بعد الإدارة، ولأهمية البساطة في العمل الإداري، مستشرفا تنامي عدد من وسائل القوة والضغط التي سوف تسحب البساط من تحت القادة و(المديرين)، مثل: قوة العملاء ورغباتهم، وقوة المعلومات وتوفرها، وقوة المستثمرين وتأثيرهم، وقوة البساطة وفاعليتها، وقوة السوق العالمية واتجاهاتها. كل هذه (القوى) تؤثر (بقوة) على القرار الإداري، وتقود المنظمات بطريقة مباشرة وغير مباشرة. وقد سبق هذا الاتجاه اتجاهات عديدة تؤكد على أهمية تبسيط العمل الإداري، واستخدم عدد من الطرق والأساليب والإجراءات، سواء عن طريق التمكين أو عن طريق تقسيم وتجزئة العمل. وقد نادى بهذا التوجه، بالإضافة للكاتبين، عدد من المنظرين الآخرين في كتب موازية في نفس الاتجاه، مثل كتب (البساطة تكسب، العمل من غير مديرين، ما بعد الإدارة).
هذا التوجه يثبت لنا أن (الإدارة الحديثة) مفهومًا وممارسة تتجه إلى التبسيط وليس إلى التعقيد. ويثبت كذلك أن فاعلية المؤسسة أو الجهة ليست في ضخامة هيكلها التنظيمي، أو مدى تحكمها ومركزيتها في اتخاذ القرار. ويثبت أيضًا أن دور القادة و(المديرين) ورؤيتهم تفرضها بشكل كبير البيئة الخارجية، والقوى المؤثرة من عملاء ومستثمرين في القطاع الخاص، أو مواطنين ورأي عام وإعلام في القطاع العام.
وإذا كان القطاع الخاص من السهل قياس كفاءته وبساطة أدائه، على اعتبار أنها مرتبطة بالأرباح والاستثمار، ويمكن من خلال الميزانية الحكم على الأداء؛ فإن ذلك قد لا يكون دقيقًا في القطاع العام الذي لا تعنيه الأرقام بقدر ما تعنيه البرامج، ولا تعنيه الميزانيات بقدر ما تعنيه النتائج. وعلى الرغم من الميزانيات العالية للدولة والرقابة المالية المشددة لوزارة المالية؛ فإن هناك من يرى أن اعتماد الوزارة على موازنة البنود التقليدية منذ عقود، هو من إشكاليات التنمية في المملكة، وهو السبب في عدم خلق فرص استثمار حقيقي متنوع الدخل، على الرغم من وجود عدد من البدائل وأساليب الموازنات المتعددة، التي ثبت نجاحها بالتجربة في عدد من البلدان، مثل (موازنة البرامج والأداء) التي تم تطبيقها في الولايات المتحدة الأميركية، والتي توضع اعتماداتها بناءً على المخرجات لا على المدخلات ورقابتها على النتائج والأداء لا على الأرقام المالية، والتي ربما لو تم تطبيقها لدينا لتخلصنا من التعقيد الإداري لموازنة البنود، ووفرنا البساطة والمرونة الكافية لبرامج التنمية، وفتحنا الآفاق لموارد أخرى؛ ولأصبحت قوة وزارة المالية الحقيقية في تبسيط إجراءاتها وليس في تعقيدها.
تتويت:
التحول من (موازنة البنود) إلى (موازنة البرامج والأداء) ربما يساعد في تبسيط الإجراءات، والتخلص من البيروقراطية المالية، ويحقق توجهات القيادة، وتطلعات المواطن، وجودة أداء الجهات الحكومية.