استغربت السيدة سميرة معاناة ابنتها سعاد ذات الست سنوات التي بدأت سنتها الابتدائية الأولى، من آلام مستمرة في الرقبة والأكتاف والظهر، مما اضطرها إلى أخذها إلى استشاري متخصص في العظام. وبعد أن قام الطبيب بفحصها وأخذ تاريخها المرضي وسؤال أمها عن التغيرات في نمط وأسلوب حياتها وما إذا كانت تقوم بحمل أثقال أو ممارسة رياضة عنيفة أو ما إذا كانت قد سقطت على ظهرها من ممارسة رياضة الفروسية (مثلاً)، فقد توصل إلى نتيجة مفاجئة وكارثية، وهي ثقل الحقيبة المدرسية التي تحملها كل يوم، ذهاباً وإياباً، عشرات الكتب والكراسات، وكتب لها وصفة طبية تقرأ كما يلي: "توقفي عن حمل الحقيبة المدرسية ومارسي تمارين رياضية خاصة بتقوية العضلات في الصباح والمساء".

لن نتحدث عن مستوى وجودة التعليم العام، ولن نتحدث عن مستوى وجودة مخرجات التعليم العام، ولن نتحدث عن مستوى وكفاءة المعلمين والمعلمات في مدارسنا وفي جميع مراحلها المختلفة، ولن نتحدث عن مشروع الملك عبدالله لتطوير التعليم الذي بدأ في عام 2006، وما زلنا ننتظر نتائجه، ولن نتحدث عن المحتوى المعلوماتي والمعرفي والمهارات الأساسية التي تنقل لعقول أبنائنا وبناتنا، ولن نتحدث عن مدى تنمية وتنوير عقول أبنائنا وبناتنا، ولن نتحدث عن نوعية الغذاء والمشروبات والأطعمة التي تقدم لأولادنا وبناتنا، ولن نتحدث عن حرمان بناتنا (وحتى أولادنا) من تعلم وممارسة التربية البدنية بشكل صحي ورياضي وضمن تعليمات وقيم الدين، ولن نتحدث عن وضع ومستوى ودور ومرجعية الوحدات الصحية في رفع مستوى وتحسين صحة الطلبة والطالبات، ففي كل هذه المجالات ما زلنا نعاني ونعاني وما زالت المستويات تنخفض سنة بعد سنة، وما زال الأهالي يحملون عناء تدريس أبنائهم وبناتهم في بيتوهم، وما زال مستوى ومهارات وقدرات أبنائنا وبناتنا مثار تساؤلات عديدة وكبيرة، ليبقى السؤال على الأقل كيف نحافظ على صحة أبنائنا وبناتنا.

في كل يوم، يحمل طلبتنا وطالباتنا حقائبهم المدرسية المثقلة بالكتب والكراسات، قد تصل في كل حقيبة إلى أكثر من عشرين كتابا ما بين: لغتي (2) - الرياضيات (2) – العلوم (2) – القرآن (1) - التوحيد (2) – الفقه (2) – التفسير (2) - الدراسات الاجتماعية (2) – الإنجليزي (2) – الحديث (2) – التربية الفنية (1) – التربية الأسرية (1) – ومثلها ملفات إنجاز للطالب لكل مادة حسب طلب كل معلم – ومثلها كراسات أيضاً حسب طلبات المعلمين والمعلمات، وأما الرياضة فمرة واحدة في الأسبوع وللطلاب (فقط) ولمدة دقائق! والرياضة ليست تربية بدنية ولكنها تسلية ولعب كرة قدم! وأما التربية البدنية للبنات فمحرومات دون سبب أو مانع شرعي.

في كل يوم، يحمل الطفل غير الرياضي حقيبته المليئة بالكتب والكراسات والملفات والأدوات المدرسية، ذهاباً وإياباً، وكأن الهدف هو تعدد وكثرة الكتب ونقلها، وليس تنمية المهارات ونقل المعرفة، وكأن الهدف هو جلوس الطفل والاستماع والكتابة، وليس التحاور والمناقشة.

طفل يزن في المتوسط (20) كيلو ويحمل أوزانا على ظهره تصل إلى أكثر من (5) كيلو غرامات ذهاباً وإياباً، وكأننا لا نعرف اختراعاً قديما اسمه "خزانة" (Locker)، وهذا ما يتم في الدول المتقدمة وأيضاً في بعض المدارس العالمية في المملكة، فكل طالب أو طالبة تخصص له خزانة يضع فيها كتبه وكراساته وأدواته المدرسية، ممارسة وأسلوب يحافظ على صحة الطالب ويحترم إنسانيته ويخدم العملية التعليمية بجميع أبعادها التعليمية والتربوية وأيضاً البدنية.

العملية التعليمية والتربوية لا تعتمد فقط على الجلوس في الصف الدراسي ولساعات طويلة دون حراك أو نشاط بدني أو حتى حراك ونشاط ذهني، هناك عدد من الحلول السريعة التي يمكن من شأنها تحسين البيئة المدرسية وتحسين صحة الطلبة، من أهمها ما يلي:

1. العمل على تحويل البيئة المدرسية إلى بيئة جاذبة ومريحة وممتعة وليس بيئة طاردة ومملة، مع تمديد اليوم الدراسي إلى الساعة الثالثة بحيث يتم إعادة توزيع الحصص المدرسية بطريقة تحفظ التوازن بين تنمية العقل والجسم.

2. تخصيص خزانة لكل طالب وطالبة في جميع المدارس للتخفيف من الأثقال التي يحملها الطلبة والطالبات كل يوم، ولتقليل المشاكل الصحية التي يعانيها أبناؤنا وبناتنا من آلام في عضلات وفقرات الظهر والرقبة والأكتاف جراء حملهم لهذه الأثقال بشكل يومي وهم ليسوا مخلوقين أو مدربين لحمل مثل هذه الأثقال، فأولادنا يستحقون الاحترام والتقدير.

3. تخصيص الساعة الأولى من كل يوم لممارسة التربية البدنية، بطريقة الإحماء وممارسة التمارين السويدية.

4. إلغاء المقاصف المدرسية واستبدالها بنظام للتغذية المدرسية يضمن الحد الأدنى من الغذاء الصحي للطلبة والطالبات، فالمدرسة شريك أساسي للبيت ليس فقط في التعليم والتربية، ولكن أيضاً في الصحة والغذاء والتربية البدنية.

5. إعادة النظر في المناهج الدراسية، مع التركيز على المهارات الأساسية: القراءة والكتابة والرياضيات والعلوم، والمعارف الأساسية: ثقافتنا وقيمنا الإسلامية من خلال مادة باسم – التربية الإسلامية، مع إضافة النشاطات الخاصة بالتربية البدنية والسباحة والمنافسات الرياضية.

هناك الكثير والكثير مما يجب عمله في قطاع التعليم العام، والدولة حفظها الله خصصت وبسخاء ميزانيات تصل إلى أكثر من (150) مليارا سنوياً لقطاع التعليم العام، وخصصت مشاريع استثنائية لتطوير التعليم العام، وبعد عقود من المبادرات والمشاريع والميزانيات الضخمة، لا نملك إلا أن نتساءل، ماذا يحصل؟