سيدني، ثم أثينا، ثم بكين، فلندن.. أربع دورات أولمبية صيفية يغيب عنها المنتخب السعودي الأولمبي لكرة القدم، وهو أمر محزن لكل من يعرف ماهية الأولمبياد وأجواء وعالم ومكاسب الأولمبياد.

غياب رياضة أو رياضي عن المشاركة في دورة أولمبية، يبقى برأيي المتواضع أكبر حزن وألم من الغياب عن نهائيات كأس العالم لكرة القدم، فالدورات الأولمبية الصيفية هي أكبر وأهم حدث رياضي كوني على الإطلاق، فيها يحضر الأفضل والأميز والأبرع كل في رياضته وتخصصه المهاري، ومعايير هذه التظاهرة لا يضاهيها حدث آخر، وتعززت هذه المكانة والقيمة للدورات الأولمبية مع ظهور وبروز الإعلام الجديد الذي أعطى بعداً مذهلاً لهذه الدورات، وباتت الكرة الأرضية تتابع وتعرف وتطلع على المنتخبات وعناصرها ونجومها فرداً فرداً من خلال الحشد الهائل من المعلومات والصور والمقاطع التي تبرز وجه التفوق والانتصار!!.

لا أدري لماذا نتعامل نحن العرب عموماً، والسعوديون خصوصاً مع الدورات الأولمبية وكأنها حدث عابر أو يخص رياضيين سوانا، لا أرى تلك التحضيرات أو الاستعدادات المبرمجة بسنوات، سواء لرياضة فردية أو جماعية، فنحن نتعامل مع هذه الدورات بشهر أو شهرين لا تزيد، بينما نجد بحكم المتابعة المستمرة مع الرياضة العالمية منذ أكثر من عقد أن رياضيي الدول المؤمنة بالدورات الأولمبية وهي لا تتجاوز الخمسين دولة من بين 205 دول، ومن المؤسف أننا كدول عربية خارج نطاق الدول الـ50 هذه، وبالتالي نظرتنا لها محدودة بمحدودية قدرتنا على التنافس فيها، وهو وضع طبيعي جداً لمن يعطي الوقت والمال والاهتمام لمثل هذا الحدث الكوني الكبير.

أقول إن هذه الدول المؤمنة بأهمية المشاركة الفاعلة فيها تمنح رياضييها الوقت الكافي والاستعداد الأمثل وإيجاد السبل من أجل راحة الرياضيين وصولاً إلى هدف تحقيق مشاركة لافتة وليس مشاركة من أجل المشاركة وحسب.

إن أحد المقاييس الحضارية للشعوب هي عدد المشاركات الأولمبية وعدد مكتسبات رياضييها في دورات الألعاب الأولمبية الصيفية والشتوية، وملمح للشعوب المتمدنة يتمثل في مدى اكتمال البنى التحتية الرياضية في هذه الدولة أو تلك، ولنا في عدد من الدول دليل على الانطباع العالمي المأخوذ عنها من خلال حضورها الأولمبي على وجه التحديد، فها هي دولة صغيرة مساحة وتعداداً سكانياً مثل إستونيا، لم تمنعها ضآلتها في المساحة والسكان من أن تكون ذات رصيد أولمبي مشرف، إذ تمكن رياضيوها من إنجاز أكثر من 90 ميدالية أولمبية، وهذا الرقم يفوق مجموع ما حصل عليه الرياضيون العرب طيلة القرن العشرين الفارط، كذلك نرى ونتابع رياضيي جامايكا وكيف استطاعوا إزاحة الأبطال الأميركيين على ما يتوافر لهم من إمكانات وفرص تدريبية وعوائد مالية ضخمة.

هناك نماذج عدة من دول العالم أولت الدورات الأولمبية اهتمامها ودعمها، فنالت احترام وتقدير العالم، واستمع سكان المعمورة للسلام الوطني لدول صغيرة جداً ما كنا لنعرفها لولا بطل رياضي أولمبي رفع علم بلاده في أكبر محفل رياضي في المعمورة!

الرياضة العربية تحتاج قراراً إستراتيجياً من غير إبطاء لتعديل مسار الفكر الرياضي من المحيط إلى الخليج كي تعطي هذه الدول الاهتمام بالدورات الأولمبية وأن يخطط لها بسنوات، وأن يبذل في سبيلها المال والوقت الذي تستحق، وأن نسهم من خلال الرياضة الأولمبية في تحسين صورتنا كعرب في كثير من مناطق العالم التي لا ترى فينا سوى مصدر نفطي لا يزيد!!