أرسل بطاقة اعتذار لكل عاطلي الدراسات العليا من أبنائنا وبناتنا، أعتذر لكل من واصل الليل بالنهار ليقدم لنا درجة الماجستير والدكتوراه، لمن كان يمزج الواقع بالأحلام وفي ظنه أن مؤسسات الوطن ستستقبله بالتهليل والترحاب، مؤسسات جحدت جهده والجهد الذي كان يدفعه للأمام، فالدولة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله احتضنت ودعمت طموحات أبنائنا وبناتنا احتضان الأم لأطفالها، ففتحت لهن الجامعات ووفرت لهم كل الإمكانيات لإكمال دراستهم في بلادهم كما ابتعثتهم لأفضل الجامعات العالمية ووفرت لهم في غربتهم الحياة الكريمة، ليس لهم فقط.. بل لهم ولأسرهم المرافقة لهم، ألم تتكفل بمصاريف الزوجة والأطفال، وبمصاريف الطالبة وزوجها وأطفالهما، ألم تتكفل بمصاريف الأخ أو الوالد في حال مرافقة أي منهما لها، والحق أنها بذلت الكثير في سبيل تأهيلهم تأهيلا عاليا، ولنجدهم اليوم بيننا وقد صنفوا من فئة العاطلين.
وأكرر الاعتذار فأنا لم أتناول قضيتكم إلا اليوم ولأسباب أهمها أن ابني المبتعث الحاصل على درجة الماجستير كان معكم في نفس الخندق ولفترة امتدت لعام، ولكن لا بد من شكر المولى سبحانه فهو اليوم بخير وفي وظيفة يجد نفسه فيها، ويتطلع لتحقيق طموحاته ولو على المدى البعيد.. ولذا أعتذر من كل عاطلي الدراسات العليا، فلم يكن تباطئي في طرح قضيتكم مصدره الإهمال وعدم الاهتمام، بل الخوف من أن يخرج المقال بصورة أتهم فيها أني أتحدث كأم لا كمواطنة، داعية الله أن يسهل لكم أموركم وتجدوا الوظائف اللائقة بكم، التي تعوضكم عما نالكم من عنت، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وليسمح لي القائمون على الأمر في وزارة المالية ووزارة الخدمة المدنية أن أوجه الكلام لهما فهم يتحملون جزءا أساسيا من تحطيم أبنائنا وبناتنا من حاملي الشهادات العليا وغيرهم من الخريجين، فهم المنوط بهم تحديد نوعية وعدد الوظائف الشاغرة في كافة مؤسساتنا الحكومية على اختلافها، إذ كيف يمكن لمؤسساتنا الحكومية توظيف المواطنين دون اعتماد هاتين الجهتين لتلك الوظائف، وإن كان هذا الأمر متعذرا ـ وهو محال بحمد المولى سبحانه ـ عليهما أن يتحليا بالشجاعة الكافية ويظهرا لنا حكومة وشعبا التبريرات وراء عجزهما عن توفير وظائف جديدة تستقطب بعض شبابنا المؤهلين، الذين نعدهم الثروة الحقيقية للبلاد، فقضيتهم طرحت وبشكل مكثف في كافة وسائل الإعلام ومازلنا ننتظر الحلول.
ثم أوجه كلامي للقطاع الخاص – بارك الله به - الذي اعتاد جزء منه التهرب من مسؤوليته تجاه هذه القضية، عامدا لوضع شروط تعجيزية، فالمؤهلات العالية لا تكفي فخبرة سنوات طويلة شرط أساسي لقبول توظيفه، وفي المقابل يقدمون له رواتب متدنية لا تفي بمتطلبات الحياة الكريمة، وأذكّر هذا القطاع بموقف الحكومة الإيجابي منه، فقد ساندته ودعمته وأرست عليه المشاريع الضخمة وقدمت له المنح والقروض الحسنة ليصل اليوم إلى ما هو عليه، وبدل أن يرد المعروف طعنها في أعز ما تملك.. في أبنائها وبناتها.
أما خريجو البكالوريوس فلا بد أن أخصهم ببعض الحديث، إذ إن منهم من يطمح بعمل بسيط كمدرس أو مدرسة في المدارس الخاصة، ولكن حال بعض هذه المدارس حدث ولا حرج، فقد رفعت رسومها الدراسية بمجرد أن أصدر خادم الحرمين الشريفين أوامره حفظه الله ليكون الحد الأدنى لتلك الرواتب هو 3000 ريال، فعلت ذلك مع إبقائها على الرواتب المتدنية للعاملين فيها، بل مارس بعضها التعسف وبصورة مقززة، فعلى سبيل المثال هناك مدرسة تقدمت إليها مواطنة حاملة لشهادة البكالوريوس تطلب العمل كمدرسة، فقيل لها إنها ستنال راتبا قدره 1300 ريال، وستكلف بتدريس كافة المرحلة الابتدائية والمتوسطة ولمادتين، وعندما أشارت المواطنة على استحياء لأوامر خادم الحرمين الملك عبدالله القاضي بجعل 3000 ريال هو الحد الأدنى للأجور قيل لها (إذا تبين تتوظفين هذه هي الشروط)! بل هناك من المدارس من تلزم الموظفة بالتوقيع على استلامها لراتب أكبر مما تناله..! فهل هذا استغفال أم استخفاف، أم قلة أمانة، فهذه المدارس تنال دعما حكوميا ضخما، ثم تستغل موظفيها بهذا الأسلوب البشع؟!
ومن جانب آخر علينا أن نقدر رفض خريج البكالوريوس الحاصل على درجات عالية العمل في مطعم الوجبات السريعة كمعد للوجبات أو عامل كجرسون (نادل) يقدم الوجبات وينظف الطاولات ويكنس الأرضية، فمع أن هذه الوظيفة جيدة من حيث الراتب الذي قد يصل إلى قرابة 4000 ريال، إلا أن الواجب علينا تفهم احتياجات ابننا الذي بذل الكثير ليمكن نفسه في وظيفة تناسب تعليمه وتخصصه، مع العلم أنه لا يوجد أي مانع ليعمل هذا العمل في إجازته الصيفية، أثناء دراسته الجامعية، أما أن نطالبه بقبولها كمهنة له فسنكون غير منصفين له، وعلينا ألا ننسى أن الدولة استثمرت فيه لسنوات وسنوات، وأفسحت له المجال ليدرس تخصصا معينا ووفرت له في سبيل ذلك كل الإمكانيات، ليعود بعدها ممارسا لعمل لا يحتاج لدراسته ولا لتخصصه، فما علاقة طالب القانون أو الرياضيات أو التاريخ بعمل جارسون (نادل) في مطعم؟!
وقبل أن أختم كلامي أبعث رسالة حب إلى أبنائنا وبناتنا خريجي الدكتوراه والماجستير والبكالوريوس أيضا، وأقول فيها ثقوا أنكم فخر هذه البلاد حكومة وشعبا، وأننا نأمل أن تحققوا لنا الكثير، فأنتم المستقبل الذي نعتمد عليه بعد الله، وتأهيلكم العالي لن يذهب سدى بإذن الله، فولاة الأمر في بلادنا الطيبة لن يقبلوا بأوضاعكم، وسيعملون بإذن الله على تمكينكم من خدمة بلادكم لتحيوا حياة كريمة، وأخيرا أوصيكم بالعمل التطوعي في المؤسسات التي تطمحون إلى العمل فيها، فلعل إبداعكم واجتهادكم يشفع لكم عند القائمين على الأمر فيها فتنالوا تأييدهم ومساندتهم في حال طرحت وظائف جديدة، وحاولوا استثمار وقتكم في دورات تنمي مؤهلاتكم ولا تتركوا أنفسكم في هذا الوقت الضائع لليأس والإحباط، وطالبوا بحقكم بعمل يكفل لكم الحياة الكريمة اللائقة بكم، والله المستعان على سواء السبيل.