تنبعث منه رائحة التاريخ، لكنْ له أنين كأنين الإنسان، يطلق صرخاته بين الفينة والأخرى علّه يجد من يغيثه، يعتب على أهله الذين تركوه فريسة سهلة في أيد الغرباء،.. عتاب فيه لهفة وشوق، يذكّرهم بماض قد تولى يخشى ألا يعود، يعيش على أمل أن تدب فيه روح الحياة، مستنكرا الحال التي آل إليها. ماضيه العريق حاضر في ذهنه بقوة لا يفارقه لحظة وربما يزيد من ألمه، معتز باسمه، الذي منحه إياه المؤسس الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه- منذ 6 عقود، حينما أنشأه خارج أسوار جدة لإعانة الناس المحتاجين ومساعدتهم.
..إنه حي السبيل الذي يرثي حاله للمارة، يستعطفهم ويشكو لهم من طول الانتظار، فكم مر عليه من سنوات عجاف وهو يصبّر نفسه عسى أن تطاله يد التغيير وترجع له مكانته بين الأحياء، صوته الشجي لا يزال يتردد في أذني، يهمس إليّ، إلى متى سأظل هكذا، فالغرباء قد أجهزوا عليّ وذبحوني من الوريد إلى الوريد، لم يتركوا موبقة إلا وفعلوها على أرضي التي أنبتت الخيرات للوطن، فبعد أن احتضنت علية القوم والكرماء من الناس وكنت مقصدا للمحتاجين، وأقيمت صلوات وترددت تسبيحات من قاطنيّ، أحالتني العمالة المخالفة إلى أوكار للجريمة، فكم مر بي من لص ومخمور ووطئت أرضي أقدام هاربين من يد العدالة واحتمى بجدراني في جوف الليل مزورون لأوراق رسمية تجعل من الحق باطلا والباطل حقا.
لقد أبكتني شكوته وأثرت في نفسي لوعته وحرقته، يستعطفني وقد اختلطت بنبرته مرارة بأن أوصل شكواه للمسؤولين، فأربطته الخيرية التي كانت مأوى للأرامل والقواعد من النساء صارت ملجأ ومأوى لمخالفي أنظمة العمل والإقامة، وشوارعه أصبحت بركا آسنة لمياه الصرف الصحي بعد أن كانت مضربا للمثل في النظافة.
فتوقفت أتأمل المناظر الموجودة في الحي فوجوه الموجودين لا تمت لنا بصلة.. زي غير زينا، وسلوكيات غريبة عن عاداتنا وتقاليدنا، حتى لاح لي شخص من السكان، إنه العم أحمد القاسمي الذي يسكن الحي منذ 30 عاما، أيام الزمن الجميل، فزاد على ما أخبرتني به معالم الحي، حيث قال"على الرغم من أن حي السبيل من الأحياء الحيوية لموقعه في قلب مدينة جدة، إلا أنه أصبح يعج بالقاذورات والروائح الكريهة"، مضيفا "لقد اختلطت مياه الصرف الصحي مع مياه البلدية والعمالة المخالفة اتخذت من البيوت المهجورة مقرا لها، ويمارسون أساليب ملتوية ومخالفة للانظمة داخلها كالترويج للمخدرات فضلا عن تعاطيها بعيدا عن الرقابة".
ويشاركه في الرأي "أبو محمد"، حيث أبدى تذمره من كثرة وجود العمالة المخالفة في الحي وسيطرتها على جميع أجزائه، مما دفع سكان الحي الأصليين إلى مغادرته، موضحا أن هناك أربطة داخل الحي يقطن بها مجموعة من العزاب وأرباب السوابق، ليس لهم الحق في الوجود فيها، مستشهدا على ذلك برابط أبو الحسن، لافتا إلى استغلال بعض أصحاب محلات شارع المخزومي المنازل المهجورة كمستودعات وعدم وجود رقابة عليهم من الجهات الأمنية أو الأمانة.
ويشير فايز القحطاني أحد قاطني الحي إلى ممارسة العمالة المخالفة لسلوكيات مخالفة للقانون كالسحر والشعوذة داخل البيوت المهجورة، مفيدا بوجود أسلاك الكهرباء على معظم جدران المنازل وبين أزقة الشوارع مما قد يتسبب في حدوث الحرائق.
خرجت من الحي وأنا محملة بالهموم، وأردت أن أتوجه للجهات المعنية لإيصال الأمانة التي حملني إياه الحي وأصحابه، فاتصلت بالمتحدث الرسمي لشرطة جدة العميد مسفر الجعيد لأضع أمامه الصورة التي رأيتها، فأشار إلى وجود دوريات أمنية في حي السبيل الغربي ولها مربعات معينة، إضافة إلى الدوريات السرية التابعة للبحث الجنائي لشرطة جدة، مضيفا "نقوم بحملات على الأحياء الشعبية، يومية وأسبوعية، بالمشاركة مع جميع الإدارات الحكومية من الكهرباء والهلال الأحمر والمرور والجوازات، و المخالفات التي يتم ضبطها في الحي عبارة عن مواقع تزوير تديرها العمالة المخالفة لأنظمة الإقامة والعمل".
من جهته، أوضح المتحدث الرسمي في جوازات منطقة مكة المكرمة الرائد محمد الحسين أنه تم القبض على ما يقارب 50 شخصا من العمالة المخالفة لأنظمة الإقامة خلال الحملات التي قامت بها الجوازات على حي السبيل خلال الأشهر الـ3 الماضية، مضيفا أن الجوازات تنفذ حملات موسمية ومجدولة على الأحياء والميادين والشوارع، كما تقوم بتفتيش المنازل الواقعة في الحي فيما يخص نظام الجوازات.