استكمالا لمقال الأسبوع الماضي عن الشاعر السوري الرقي الراحل فيصل بليبل (1919 – 1984) نتذكر بعضا من أبياته التي يتضح فيها موقفه الصارم تجاه مسألة ما، مثل حكايته مع قسم المشايخ في مجلس الشعب، ففيصل كان مدرسا، وذات يوم حضر أحد الموجهين التربويين - وكان شيخا – درسا في اللغة العربية عنده، والدرس عبارة عن قصيدة فيها "أقسم بالقدس وبالأقصى". وحينها قال له الشيخ إن القسم بغير الله حرام وبالنقاش اقتنع الشاعر الراحل بكلام الشيخ، ومن يومها لم يعد يدرس تلك القصيدة للطلاب. وبعد سنوات ظهر أعضاء مجلس الشعب الجدد على التلفزيون وهم يقسمون "بشرفهم ومعتقدهم".. ورأى فيصل صاحبه الشيخ الذي أقنعه بأن القسم بغير الله حرام وهو يقسم بشرفه ومعتقده من أجل المنصب، فكتب قصيدة ساخرة منها:
شيء يثير بنا القرفْ
قسم المشايخ بالشرفْ
يا مجلس الشعب الذي
قد ضم هاتيك الجيفْ
قلْ إن تكامل جمعهم
هل للبهائم من علفْ
جاء عن الراحل في معجم البابطين لشعراء العربية في القرنين التاسع عشر والعشرين: (شاعر متمرد، تنتمي تجربته إلى القضية الفلسطينية التي استأثرت بأغراضه الشعرية، تأثر في بداياته الشعرية بمفردات وأساليب القرآن الكريم، وبأسلوب أبي تمام في حماسياته، وتجلى ذلك في كتاباته السياسية، في قصائده خيوط من الحزن تمثل طابعا غالبا على كثير منها، وفيها طموح عبر رؤية مستقبلية واضحة المعالم، قال عنه بسام ساعي "يعد الشاعر فيصل بليبل من أبرز رواد النظرة المستقبلية في الشعر السياسي الحديث في سورية").
ما يؤكد الكلام السابق كثير من قصائد فيصل التي أتحفنا بها ابن أخيه الشاعر بسام بليبل خلال الفترة الماضية، كقصيدته "تحية إلى أحرار العاصي" التي تبدو كأنما كتبت هذه الأيام:
وطأتم هامة الجلّى كراما
سلاماً فتية العاصي سلاما
بنفسي فتية طلعوا بدورا
بليل الروع يجلون الظلاما
مشوا فوق الأسنة والمواضي
إلى النصر الذي بهر الأناما
وقد غنموا لموطنهم حياة
عشية واجهوا الموت الزؤاما
ولو قرأنا قصيدته في حقوق الإنسان، لوجدناها تحاكي الأحداث الجارية في بلده وتتداخل مع النداءات العالمية:
يا حقوق الإنسان هل إنّ للإنسان حقاً أن يرفض الطغيانا
يا حقوق الإنسان هل إنّ للإنسان حقاً أن لا يموت جبانا
قل لمن يرفقون بالطير والوحش تعالوا وشاهدوا الإنسانا
رحم الله الشاعر، لقد سبق زمنه بتمرده على واقع خاطئ. لكنه وأمثاله ممن نبهوا على الأخطاء قلائل. فتراكم الخلل، إلى أن تمرد الشعب كله.