نستطيع اليوم، أن نملأ أوراق الصحف، وأقنية الفضاء الإلكتروني بكل ما شئنا من كلمات الإدانة والإنكار التي يستحقها بالفعل، حمزة كشغري، ومع هذا أدعوكم جميعا للتحرك إلى المربع المقابل في القصة طالما أن صاحب القضية تحت نظر القضاء الشرعي الذي نثق به. والمربع المقابل الذي أدعوكم إليه هو أن ندرس بهدوء وروية قصة – التحولات – الفكرية التي تطرأ على حياة الأفراد كي يتحولوا من النقيض إلى النقيض وقد شاهدنا ولمسنا هذه القنابل الفردية الموقوتة تغتال اعتدال مجتمعنا على النهايتين الطرفيتين للتطرف الإرهابي أو الإلحادي التشكيكي دون أن ندرس تأثير المحاضن السابقة في حياة هؤلاء الأفراد. وإذا ما سلمنا، كما ينقل الرواة بكثافة، أن حمزة الكشغري، كان تحت تأثير شللية ساهمت في تحولاته وفي دعمه المادي واللوجستي للهروب، وأنه حتى قبل تغريداته المسيئة كان تحت تأثير أفكار مجموعته، فإننا بهذا إنما ندرس مقطعا نهائيا وحيدا من قصة تحولاته. نحن ننسى بهذا التفسير الجزئي المقتطع أن ذات الشخص كان في طفولته ومراهقته ضيف وطالب بعض الحلقات والندوات التي كان منهمكا فيها بعمق وإذا ما أردنا أن ندرس قصته، كي تكون درسا اجتماعيا، للقادمين على خطاه، فإن لنا أن ندرس الصورة بإطار أكبر وبصورة أعمق لا تختزل شيئا من مشواره الطويل في تأثير كل مراحل حياته عليه. نحن نعلم على النقيض أن كثيرا من أرباب الفكر الإرهابي، وباعترافاتهم، وبشهادات ذويهم من أقارب الدرجة الأولى، كانوا على النقيض من بدايات الكشغري. وفي التحولات، يحاول صاحب الفكر المتشدد التكفير عن فترة سابقة من اللهو والمجون، مثلما يحاول صاحب الفكر الإباحي أن ينتقم من حقبة مناقضة سابقة.
الحياة الفكرية لأي شخص كان، هي تفصيل مقاسات اللباس الذي يرتديه الفرد. صاحب المقاسات الضيقة المتشددة في فترة من الحياة لا بد أن يجرب البديل في الثوب الفضفاض ولهذا تلتبس عليه قياسات الحرية وأحيانا يكره حتى الثوب مفضلا العراء، وصاحب الثوب الواسع جدا في فترة من الحياة سيشعر بالندم على الباب الواسع للانفلات ثم يعتنق أفكار التزمت والتشدد. كلا الحالتين تكفير مختلف النهايات عن فترة سابقة من الحياة. والمشكلة الأدهى أن الوسطية نفسها مصطلح فضفاض وحتى أعتى عتاة التطرف من اليسار أو اليمين يتحدثون عن فضل الوسطية والاعتدال وهم أبعد ما يكون عن مركز هذا المصطلح. أنا، في الختام، مؤمن أن المتطرف في الفكر على أي نقطة يكون، إنما هو ضحية خطاب سابق في مرحلة ما من الحياة مثلما أنا مؤمن أننا مشغولون بتقليم الظواهر الفردية دون علاج للمحاضن.