يعتبر خادم الحرمين الشريفين من أكثر القيادات العالمية شفافية ووضوحا، قادر على القيام بواجباته الإقليمية والعالمية عبر تبني سياسة حكيمة جعلته مقبولاً لدى كافة شعوب المنطقة، لذلك ليس غريباً أن تأتي كلماته أمام ضيوف مهرجان الجنادرية يوم الجمعة الماضي، مهمومة بأوجاع الشعب السوري وأوضاعه، وليس غريباً أن يعلن قبل ذلك عن إلغاء "أوبريت الجنادرية" تضامناً مع الأوضاع المأساوية التي يعيشها الشعب السوري.
وكما هي عادته عندما يتناول القضايا التي تهم الشعوب، فإنه يبتعد عن اللغة الدبلوماسية، فوصف حال العالم اليوم أمام الملأ بأنه يعيش بدون أخلاق، بعد أن فشل مجلس الأمن في حماية الشعب السوري، وإيقاف المجازر اليومية التي يرتكبها النظام السوري، معتمدا على الفيتو الروسي – الصيني، الذي وفر له الوقت للاستمرار في حملات القتل والقمع والتدمير.
نعم العالم أصبح مخيفا، كما وصفه خادم الحرمين الشريفين، وكذلك ثقة العالم اهتزت بالأمم المتحدة، والمؤسسات التابعة لها، فالمؤسسة التي تفشل في القيام بواجبها في حماية السلم والأمن العالميين، وحماية الشعوب التي تتعرض للإبادة، ومنع أيادي المتوحشين عن الأطفال والنساء والشيوخ والمدنيين، لا تستحق ثقة العالم ولا حتى احترامه. المؤسسة التي تسمح لبعض الدول باستخدام "الفيتو" ضد حماية شعب من القتل، ومن أجل استمرار وحشية الحكومات الدموية، غير جديرة بأن تكون مسؤولة عن أمن واستقرار الشعوب والعالم.
منذ بداية الثورة السورية اتخذت السعودية مواقف إيجابية، ففي أول رد فعل عربي رسمي تجاه ما يحدث في سورية، طالب خادم الحرمين الشريفين في رمضان الماضي النظام السوري بإيقاف آلة القتل، وإراقة الدماء وتحكيم العقل قبل فوات الأوان، مشيراً إلى أن مستقبل سورية بين خيارين لا ثالث لهما، إما أن تختار بإرادتها الحكمة، أو أن تنجرف إلى أعماق الفوضى والضياع – لا سمح الله، فالحدث أكبر من أن تبرره الأسباب، وهو نفس الخطاب الذي كرره أول من أمس وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل في اجتماع مجلس وزراء الخارجية العرب في القاهرة.
ولعل ما يعيد الأمل مرة أخرى في هذا الواقع المرير، هو التغيير الكبير الملاحظ في خطاب وحراك جامعة الدول العربية، حتى يكاد يصل ما يقارب مستوى الأحداث التي تشهدها سورية، إذ حمل بيان الجامعة الأخير قرارات ولغة جديدة، فقررت الجامعة فتح قنوات اتصال مع المعارضة السورية، وتوفير كافة أشكال الدعم السياسي والمادي لها، ودعوتها لتوحيد صفوفها والدخول في حوار جاد يحفظ تماسكها وفعاليتها قبل انعقاد مؤتمر تونس، كما أعلنت عن إنهاء مهمة بعثة المراقبين، وإيقاف جميع أشكال التعاون الدبلوماسي مع ممثلي النظام السوري في الدول والهيئات الدولية، ودعوة كافة الدول الحريصة على أرواح الشعب السوري، إلى مواكبة الإجراءات العربية في هذا الشأن، إضافة إلى دعوة مجلس الأمن لإصدار قرار بتشكيل قوات حفظ سلام عربية أممية مشتركة للإشراف على تنفيذ وقف إطلاق النار.
الشعب السوري قدم آلاف الشهداء من الأطفال والنساء والشباب والشيوخ، ولا يزال يومياً يواجه الرصاص بصدور عارية، من دون أن يجد دعماً حقيقيا من أي جهة إقليمية كانت أو عالمية، وواصل ثورته في ثبات وإيمان بضرورة نيل حقوقه التي بدأت بإصلاحات بسيطة رفضها النظام فتحولت إلى المطالبة بسقوط النظام ومحاكمته على جرائمه ومجازره اليومية، ليس كذلك فحسب، بل إن المؤسف أن دولا مثل روسيا والصين تريد للعالم أن يجلس ويتفرج حتى يقتل الأسد آخر فرد من أفراد الشعب السوري، في غياب تام للأخلاق واحترام إنسانية الإنسان، وكأن الدم السوري رخيص لا يسوى ثمن مناورة سياسية لروسيا والصين في صراعهما مع معسكر الناتو.
آمل أن يكون التحرك العربي الأخير، بداية لحقن الدم السوري، وإيقاف آلة القتل المسلطة عليه، ومن ثم تحقيق الأمن والاستقرار في سورية.