عندما لا تتميز الرواية بالبعد المعرفي الإنساني الذي يجعلها عالمية من حيث قبول القارئ الآخر بالتفاعل مع أفكار ومشاعر الروائي، فإن من حق هذا القارئ الافتراضي الابتعاد عنها، وقد يحق له التميز غيظاً ممن يريد اغتيال وقته بقراءة ما لا طائل سوى متابعة التعالم والتفاخر والتثاقف المفرغ من أي مضمون، بالرغم من العنوانات الفضفاضة التي تدّعي الاهتمام بالآخر، والتي تقدم لون الحياة وردياً حيناً، وأسود، أو دموياً، في أحيان كثيرة. هي ألوان نصادفها في حياتنا الواقعية، وهذا صحيح، لكن هذه الانتقائية لصنع مزيج من الرومانسية والتراجيديا معاً هو ما ليس في الأدب عموماً، وفي الرواية خصوصاً.

ترى الكاتبة الفلسطينية إيمان أبو زينة في روايتها "هي.. أنا" الصادرة عن دار "دال" للنشر والتوزيع في دمشق (2011)،أن تلك التركيبة من مفردات حياة امرأة ممكنة المزج، عندما واجهت الخذلان من رجلين قبل زواجها من "فاروق"، الذي احترم أنوثتها وإنسانيتها، بغض النظر عن ماضيها، لتعيش حياة ناجحة بين أصدقاء وزملاء عمل يحبونها ويحترمونها. تعمل بطلة الرواية "شهد" في إذاعة "اليوم"، وتقدم برنامجاً ناجحاً يهتم بالمشاكل القانونية للمستمعين، وهي ناجحة في حياتها الزوجية، لكنها لم ترزق بأولاد. تذكر الراوية أن "شهد" عاشت علاقة مع "مهند" لمدة ثماني سنوات، ومع "فيصل" أربع عشرة سنة، وهي متزوجة من فاروق منذ اثنتي عشرة سنة، والمجموع أربع وثلاثون سنة، فكم كان عمرها قبل تعرفها بمهند، وكم أصبح عمرها عندما تعرفت على الطبيب التركي أورهان بعد ثلاث سنوات من الحداد على وفاة زوجها فاروق؟ فإذا أضفنا سبعة وثلاثين عاماً إلى عمر افتراضي هو ثمانية عشر عاماً قبل علاقتها بمهند يكون المجموع خمسة وخمسين عاماً!، هذا دون حساب أي فاصل زمني بين تلك المراحل.

مثل تلك السقطة في حساب السنين لا يضير المرأة في بحثها عن الحب والنجاح، بينما يضير الروائية في "استغفال" القارئ، كما أن قبول البحث في قضية أن تنجب في هذه السن بعد ثلاث سنوات من زواجها من الطبيب التركي أورهان تبدو غير معقولة، لكن الرواية تقول إن "شهد" تنجب "نوران" بشكل طبيعي ودون تلقيح صناعي، وهو أمر نادر بالنسبة لامرأة تقترب من الستين، وكان حرياً بالروائية أن تقدم مساراً تراجيدياً ومعرفياً لهذه "المعجزة الصغيرة".

يبدو مسار الرواية مجموعة من المصادفات، أو الميلودراما الهندية، فبعد وفاة فاروق، زوج شهد، رجل الأعمال الموسر الذي يهدي زوجته "إذاعة"، تحزن شهد عليه ثلاث سنوات، ثم تقوم برحلة إلى تركيا لمدة أشهر حيث تلتقي بأورهان، لكنها لا تكون قد خرجت تماماً من حالة الحزن، فيتأجل ارتباطهما إلى ما بعد زيارتها لصديقتها "جنا" في إيطاليا، حيث تتوقد مشاعر الأمومة عند شهد من خلال العلاقة مع ميرا، ابنة جنا، ومن ثم تبلغ التراجيديا قمتها مع زيارة جنا وزوجها عماد وابنتهما ميرا إلى سورية، ففي طريق العودة من اللاذقية إلى دمشق يتعرض الأصدقاء لحادث مروري، فتموت جنا، ويدخل عماد في غيبوبة طويلة قبل موته، ولا يبقى من كافل للصغيرة ميرا سوى شهد.