نحن ننظر لهم كموارد بشرية، أمل المستقبل، فنتحدث عما يجب أن يكون، وننسى أن ما هو كائن هو أساس القضية، ننظر إليهم كمشكلة يجب حلها مع أننا نحن سبب المشكلة ونحن من أوجدها.. إن من أولويات الشباب في يومنا هذا هي أنهم يريدون أن يعيشوا، بينما نحن وفي عصر العولمة والإنترنت والسرعة؛ نسير ببطء السلحفاة! وبدلا من أن ننظر إليهم كحل ننظر إليهم على أنهم المشكلة! فلا نحن خففنا من أعباء الحياة عنهم، ولا نحن أوجدنا حتى الحلول المستقبلية التي يمكن تطبيقها، بما أننا نقيس المستقبل عن معرفة منبثقة من الماضي فقط.

لنتمعن قليلا في الأسئلة التالية التي وجدتها في تقرير تحت عنوان "سياسة الشباب – هنا والآن": ما هي معايير المجتمع الجيد الذي يستطيع الشباب العيش فيه؟ من هم شباب اليوم؟ ما هو تأثير العولمة على الشباب؟ هل لدينا تقارير وإحصاءات تجمع من الجهات المختصة وتصب في جهة واحدة تعنى بشؤون الشباب، التي تصف واقع الشباب بحيث يمكن نقل صورة واضحة ودقيقة للسلطات المختصة في الدولة من أجل بناء سياسات عملية تخص هذه الشريحة؟ وإن وجدت فهل هذه التقارير تحتوي على مؤشرات كمية ونوعية قائمة على التحليل المتواصل الذي يساعد بدوره على متابعة متغيرات الظروف المعيشية وتأثيراتها على الشباب؟ وهل هذه الدراسات تأخذ بالحسبان التفاوت بين أنواع وخصوصيات المجتمعات المحلية على مستوى الوطن؟ هل لدينا بنك معلومات يشمل جميع الإحصاءات الخاصة بالشباب يعتمد عليه كمصدر للدراسات والأبحاث من أجل تسهيل بناء خطط استراتجية قصيرة وبعيدة المدى؟ هل لدينا فكرة كمجتمع حاضن عن ماهية أن تكون شابا خلال هذه الأيام؟ هل لدينا فكرة عن الاختلافات في الخلفيات الثقافية والاجتماعية والبيئية والفكرية التي تتضح بين فئة الشباب لو أننا حاولنا التعمق في التعريف؟ وإمكانية تشغيلهم وتعليمهم وتحسين ظروف معيشتهم؟

والآن لننتقل إلى التحديات التي يواجهها الشباب: عدم توافق مخرجات التعليم مع متطلبات سوق العمل، عدم التزام سوق العمل بدوره الوطني في نسب التوظيف والتدريب، طول فترة الدراسة وقصر فترات التدريب والتأهيل أو انعدام تواجدها خلال فترة الدراسة، غلاء المعيشة؛ من سكن وغذاء ودواء ومواصلات، ارتفاع نسبة البطالة، العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص، انعدام الخبرة في كيفية التكيف مع بيئة العمل، انعدام تعريف واضح للمطلوب في الوظيفة والتضارب الواضح في سلطة بعض أرباب العمل أو المديرين في تفسير المطلوب حسب فكره ومصالحه، اعتبار الشباب النشط المبدع من قبل المخضرمين في الوظائف أو أصحاب المراكز على أنهم خطر يجب أن يهمش أو يزاح، عدم المشاركة في صنع القرارات خاصة التي تمس حياتهم اليومية، المشاكل الأسرية التي تفاقمت من جراء التغييرات التي طرأت على المستوى الاجتماعي والثقافي والفكري، وهذه مجرد أمثلة بسيطة عن عالم من التحديات التي يواجهها شبابنا، مما يجعلهم يشعرون بأنهم غرباء في بيئة يرونها على أنها منفرة في حين يجب أن تكون متفهمة وحاضنة.

ما الحل؟ أرى أننا لو رجعنا إلى الأسئلة التي طرحت في المقدمة، وحاولنا الإجابة عنها، بإمكاننا أن نتعرف على ما نحتاجه لبناء أرضية مشتركة واضحة المعالم والمفاهيم، يتفق عليها الغالبية من صناع القرار والفئات المستهدفة، بحيث تمكننا من الانتقال إلى المسطح التالي من التفعيل والتنفيذ والمتابعة والتقويم، وعليها نتمكن من بناء سياسة وطنية تعتمد أولا على وثيقة تم بناؤها بإشراك جهات مختصة ومتعددة من الوزارات المعنية يلتزم بها الجميع، ويشارك من خلالها الشباب في البناء والمتابعة، أي في تخطيط وتنفيذ كل مرحلة، ويمكن أيضا فتح هذا المجال بإنشاء صفحة تشاركية على الإنترنت يعرض من خلالها كل قرار يتم تبنيه من قبل الدولة من أجل الاطلاع وإبداء الرأي من أكبر نسبة من الشباب، ومن ثم تدرس هذه المداخلات والتعليقات من أجل تطوير وتحديث هذه السياسات، ومن لا نستطيع الوصول إليهم نُفعل ـ كمثال ـ البلديات والإدارات المحلية في إحداث مراكز تجذب وتشجع على الحوار والمشاركة.

شبابنا ليسوا بحاجة إلى تنظيرات أو دراسات الأدراج، شبابنا بحاجة أن ندخل بينهم، كي نتفاعل معهم ونفههم أكثر، يجب علينا أن نغوص في حياتهم اليومية أكثر، إنهم بحاجة لسفينة، لقد سئموا قذفنا إليهم بأطواق النجاة!