• (أن ننزوي، كلٌ في خرّسِه كان أفضل من التقافز على رقاب بعضنا البعض. كان "تيريكان" يوقظ هذه الشجارات الغاضبة الطويلة، ولكن بنبرةٍ أقل خطورة، وبفضله استطعنا راهناً التواصل لأن نفكك أفكارنا وأن نفحصها دون كبير شغف، تحت زوايا مختلفة نقوم بإفراغ هذه الأفكار من طبائعها العصابية).. كذا قال هنري ميلر في روايته "شيطان في الجنة"، واصفاً وجود "تيريكان" في جدل الزوجين، اللذين كان يقيم معهما. وتيريكان هذا يقول للزوجين: (أنا وحدي من يفهمكما، وأستطيع أن ألعب دور الحكم وأعيد تلصيق القطع ثانية).
• وكما أن الجدالات لا تنتهي، ولاسيما في ربيعنا المحموم هذا.. فإنها تظهر أمراض الواقع العربي بامتياز، بكل تاريخها. الواقع الذي تتفالت فيه حبالٌ وحبائل، وكثيرٌ من البشر، خلف جدرانهم وقدّام شاشاتهم، ينهشون بعضهم بلا هوداة، يلتقون في ذات العتمة المشوهة، بعيداً عن سيمائهم التي يبالغون في تنميقها لحظات الضوء، أما في الخفية فيتسابقون على الأتباع والفرائس.. وعندما تحين فرصة لأحدهم للانقضاض، فإن كل ادعاءات اللطف والسماحة تتلاشى، مثل فقاعات صابون. وماذا يظهر؟ تخرج أنياب النوايا الرديئة من معاقلها، ودفعةً واحدة تستحيل مروءة العربي كلها إلى هياجٍ جمعيٍ أعمى مدمّر (مثال علني: ملعب بورسعيد/ مثال خفي: الإنترنت)، وفجأةً تحمر الأصداغ والشفاه، وحمرتها ليست من يناعة الفطرة والنعومة الإنسانية والحق، بل من احمرار الفتكِ وما بقي عالقاً على الأشداق من التشفي!.
http://www.youtube.com/watch?v=F7UdI5JlsIg
• يَحكي هنري ميلر؛ (بدا مغلوباً على أمره كليةً حتى إنني كنت على وشك تقديم الاعتذار له.. لكنني انتهيت منه الآن، وابتعدت بخطىً عريضة باتجاه الغابة، وفي الظلال الصيفية الطريّة كنت أجلس قرب بركة لأقوم به يدعوه الفرنسيون بـ؛ محاسبة الذات. حاولت أن أقلب الأدوار، وأضع نفسي في مكانه وأنظر إلى نفسي عبر عينيه. عليّ الاعتراف بأن المحاولة لم تقدني بعيداً، ولسببٍ مجهول لم أصل أن أتقمص دوره بالضبط!).
• في كنه ذواتنا.. يبدو المرء خليطاً رهيباً وعشوائياً من تأثير ما حوله فيه من بدء حياته، فالوعاء الذي تختلط فيه الصور والتصورات، الروائح والصوت، الكلام والكوابيس، الخوف والآمال، المعتقد والتقاليد، المظالم والحقوق، والحكايات والنوم.. إلخ، كل هذا وأكثر هو أنت أيها الكائن المدعو إنساناً، فطبعك وطريقتك وكلماتك ليست غير تمثيلٍ طافحٍ لهذا العالم المهول والمعقد فيك. وعلى هذا النحو تبدو الشعوب بأكملها!
• وكأنه لا أحد يريد أن يذهب إلى محاسبة الذات والعمل.. بينما الجميع؛ أفراداً وجماعات، لا يريدون سوى أن يلعبوا دور الحكم، الذي يعيد تلصيق القِطَع!