يظل العنف هو أحد أوجه الروح السادية المكبوتة في الإنسان، وانعكاس من انعكاسات الأنا والأنانية، ولهذا فالمعارك النفسية التي حولت المجتمع إلى ملائكة وشياطين هي صورة من صور هذه الأنا، ووجه آخر من أوجه العنف الذهني، وجميعها عوامل تذكي الأنا العدوانية بيننا، ومن التعقل أن نتوقف لطرح سؤال مصيري: كيف نقوم ببناء النماذج الفكرية الإيجابية والتصورات الذهنية حول مسائل المستقبل في مجتمعنا الذي أظهر في الآونة الأخيرة تعطشا كبيرا للمعارك النفسية في الحوارات التي تحدث بين وقت وآخر والتي عبرت في حقيقتها أنها معارك مستترة، وأن الأنا والآخر ليسا إلا طرفين ملائكة وشياطين، ومن هنا يكون الحوار بين هذه الأنا والآخر ليس أكثر من معارك نفسية ومهاترات فكرية.

ليس أسهل من أن يتصادم رأيان مختلفان.. المعارك النفسية هي فعل بشري، وعنف الإنسان ضد أخيه الإنسان قديم قدم الخلق، وسآخذ هنا طرفا من الحديث عن العنف الذهني الذي يمارس علنا وسرا، والذي يعرفه علماء السلوك بأنه نمط من أنماط السلوك على نية سيئة لإلحاق ضرر مادي ومعنوي بكائن حي، مثل استباق العقوبة قبل تقديم التوبة.

عنف الإنسان لأخيه الإنسان ما يزال وسيبقى ويظل موجوداً، لأنه مرهون بالصراع بين الخير والشر. ولن يكتب لهذا العنف أن يهدأ في النفس الإنسانية إلا إذا أمكن تقنينه كما وكيفا. ما زلنا نعاني من الاستقراء غير الممنهج.. وما زلنا نعاني من تحليل الأمور على غير حقيقتها.. وما زلنا نقود المقدمات إلى نتائج خطيرة ومدمرة حين يتحول النقاش والأحكام إلى شخصنة.. وحينما يحتدم النقاش بينك وبين الآخر ليواجهك بالحكم عليك: أنا الأفضل، أنا أقصيك، بل سأقتلك لأنك لا تشبهني؛ فإنه نتيجة طبيعية لصراع ملائكة وشياطين، علما بأن الجدل يجب أن يكون في مضمونه مبنيا على غاية إن لم نصل إليها ولم نجد أرضا مشتركة نقف عليها معاً وجب أن يتوقف هذا الجدل، لأنه سيصبح متجها إلى السطح على طريقة الظاهريين ـ أي الذين يأخذون بظاهر اللفظ دون التبحر في معناه وفهم قصده ـ فكل جدل هو معركة نفسية تمارس الشخصنة التي هي عدم وجود نية في الوصول إلى الحق.

إن استقرارنا النفسي كمجتمعات ليس في نصرة فريقنا.. لكن في نصرة الحق.. الذي ليس من الضروري أن يكون معنا دائماً. من أجل فهم لـ(نحن) باختلافاتنا وقوانا ونقاط ضعفنا وتناقضاتنا، وفهم أعمق لـ(هم) كيفما كانوا, وأينما كانوا.

في نهاية الأمر فإن أولئك الذين يركزون فقط على الحقيقة التي تأتي عن طريق الحواس الخمس هم الأدنى طاقة روحية ووعيا، وكلما زاد استخدام الناس لحواسهم العليا ارتفع تردد حقل الطاقة والوعي لديهم، وزاد وعيهم، وقل تصنيفهم للبشر على أساس أنهم ملائكة وشياطين.