وأنا أقرأ للراحل الأستاذ عبدالله الطريقي أول وزير بترول سعودي وجدت برقية من الملك عبدالعزيز رحمه الله موجهة لوزيره يقول فيها: (عندنا شاب اسمه مهنا بن معيبد من أهل نجد كان مع البعثة الأولى في مصر وباقي له سنة ليأخذ شهادة الثانوية العامة وعنده معرفة باللغة الإنكليزية وفيه استعداد للتعليم ومن رأينا أن يرسل للشركة في الظهران للتمرن على الأعمال الفنية وبعد ذلك يرسل لأمريكا للتخصص في فن الزيوت، ويوجد شخص آخر اسمه عبدالله الطريقي من أهل الزلفي يتعلم الآن في مصر مع البعثة وأثنوا على اجتهاده وهو يصلح لهذه المسألة أيضاً لأن الحكومة محتاجة لناس من رعاياها يكونون متقنين لهذا الفن ولذلك راجعوا شركة كاليفورنيا في هذا الأمر وعرفونا بالنتيجة).

إن كل كلمة حوتها هذه الرسالة تنبئك عن سلوك قيادي متميز، فهو - وهو الملك المشغول بالحكم - يعلم أن هناك في مصر طلابا سعوديين متميزين ويوصي بدعمهم ويعلن عن احتياج دولته لهم، ويرتب لتدريبهم وزيادة كفاءتهم ومن ثم إحلالهم في المكان المناسب واللائق لتستفيد بلاده من كفاءة أبنائها. من المؤسف ألا يتعلم بعض المسؤولين لدينا من السلوك التنظيمي الذي اتبعه أعظم قادتنا رحمه الله.. فتجد المسؤول يعين فلانا مجاملة له أوعلانا لقرابة أو صداقة متناسيا أنه لا يعمل وحده، وأن كونه متميزا ومخططا رائعا وعظيما لا يكفي مطلقا، لأن الذين جاءت بهم المجاملة لا كفاءتهم سيكونون نقاطا سوداء في صفحة عمله ونتائج إدارته، وعندما يخطؤون لن نقول أخطأوا هم بل أخطأ هو, ثم إن شعورهم بعدم الكفاءة سيلزمهم باتباع سلوكيات داخل العمل تحمي تواجدهم، فسيعملون دائما على طرد الكفاءات وتعطيل قرارات تتضمن ما يهدد مكانتهم ويكشف ضحالة خبراتهم، ولربما ادعوا على هذا القائد بما لم يقل، وستظل مشاريعه وخططه حبيسة الأدراج أو ملوثة بالسرقات والأكاذيب والتدليس. وهذا ليس فقط الأثر السلبي الوحيد بل هناك ما هو أخطر وهو الأثر على العقول والكفاءات، لأنها لن تقبل بالضيم أو التهميش، فهي إما ستتحول إلى "بطالة مقنعة" أو تختار الهجرة عبر الانتقال من الوزارة أو الدولة نفسها، خاصة في زمن العولمة الذي تهتم فيه الدول باستقطاب الكفاءات والخبرات.

لذا فإن للمسؤول أن يجامل أصدقاءه وأقرباءه حيثما شاء إلا في ما يخصنا كمواطنين ننتظر منه ومن فريقه الأفضل.