أصابها الشلل بعد 50 عاماً من العمل الإنساني النبيل، وأقعدت جمعية التعليم والرعاية للأيتام والعجزة السعوديين في سورية عن العمل قبل 5 سنوات ولم يبق منها إلا الهيكل الإداري ومدرسة متهالكة تنشد العون والمساعدة المادية، لكيلا يتوقف التعليم الابتدائي بعد أن ألغيت الروضة والتمهيدي منها بسبب قلة الموارد المالية.

بداية العطاء

لم تكن الجمهورية العربية السورية في يوم غريبة على المواطنين السعوديين، حيث كانت وجهة للكثير منهم لأسباب عديدة، أهمها التجارة والسياحة، فاستوطن بها الكثير منهم وأصبحت هناك مصاهرة وروابط أسرية.

وعن انطلاقة الجمعية يتحدث الوزير المفوض في سفارة خادم الحرمين الشريفين بدمشق، فواز بن نايف الشعلان الذي سبق أن ترأس مجلس إدارة الجمعية لمدة 10 سنوات، بقوله "نظراً لما لاحظه عدد من أهل الخير من التجار المقيمين مما يعانيه الأيتام والأرامل أو الأطفال السعوديون من أمهات سوريات، وما تعانيه بعض الأسر من العجزة والحاجة والفقر أنشئت جمعية التعليم والرعاية للأيتام والعجزة السعوديين في سورية".

ويضيف "كانت البداية عام 1956حينما اجتمع مجموعة من التجار السعوديين المقيمين في سورية وبعض مسؤولي السفارة في ذلك الوقت وعددهم 14وهم عبدالعزيز بن زيد، وفهد المارك، وسليمان القاضي، وإبراهيم النصار، وعبدالعزيز الراشد، ورواف الرواف، ومحمد الرواف، وسليمان غنيم، ومحمد العريفي، وإبراهيم خميس، وصالح الصالح، وممدح الزبن، وعلي الحمراني، وعبدالرحمن سليمان زيد، وتم اختيار عبدالعزيز بن زيد سفير السعودية في دمشق آنذاك ليكون أول رئيس لمجلس إدارتها، لمناقشة وضع هذه الأسر وكيفية معالجته، واتفقوا على تأسيس جمعية خيرية تعنى بأحوال السعوديين المقيمين في سورية وتقوم بتقديم المساعدات المالية والعينية والإيواء، وتضم مدرسة تعنى بجميع أبناء الأسر السعودية سواءً كانوا من زواج رسمي أو غير رسمي"، ويترأس مجلس إدارتها حالياً حمد بن سليمان القاضي الذي كان والده أحد المؤسسين للجمعية، ورئيسها الفخري السفير السعودي في دمشق عبدالله بن عبدالعزيز العيفان.

ويضيف الشعلان "كانت البداية أن تم شراء مبنى يتكون من 3 أدوار ليخدم الفكرة التي من أجلها أسست الجمعية، فتم تخصيص الدور الأرضي لمكاتب الإدارة والمطعم وعدد من الفصول الدراسية، والدور الثاني لسكن الطالبات، والدور الثالث لسكن الطلاب".

مسيرة 50 عاماً

ويضيف الشعلان: بدأت الجمعية ممارسة أنشطتها بمساعدة العوائل السعودية بتقديم المعونات المادية والعينية لكافة الأسر التي ترعاها، فكانت تقوم بدفع مبالغ شهرية (3 آلاف ليرة) لكل أسرة، و(1500 ليرة) لكل طالب، وتوزيع كسوة العيد كل عام، وتقيم حفلات شهرية للأسر السعودية للاجتماع في جو أسري يتم من خلاله إقامة المحاضرات التوعوية والاجتماعية. وتابع "ونجحت الجمعية في إيواء 100 طالب وطالبة داخل المبنى، كما رعت 375 أسرة سعودية مقيمة في دمشق، واصفاً الجمعية بأنها كانت نموذجاً للجمعيات الخيرية لدى وزارة الشؤون الاجتماعية السورية".

ويضيف الشعلان "والجمعية إضافة إلى أنشطتها أخذت على عاتقها بعدا إنسانياً آخر تجاه بنات الأسر المقيمة في سورية، حيث حرصت على تزويجهن من السعوديين الراغبين في الزواج، وذلك رغبة في مساعدتهن من الزواج من أبناء وطنهن وتسهيل العودة لهن لأرض الوطن وتقديم معونة مالية قدرها 50 ألف ليرة لتسهيل الزواج"، وتابع " أعدت الجمعية برنامجا إحصائيا لجميع الفتيات اللواتي في سن الزواج، شمل معلومات دقيقة عن كل فتاة على حدة".

وقال "بعد أن يأتي الراغب في الزواج يقوم بتعبئة استمارة خاصة تم إعدادها لهذا الخصوص، ثم يبحث عمن تناسبه من خلال القوائم الموجودة، وبعد التأكد من المعلومات يتم تقديم الاستمارة لأهل الفتاة، وفي حال موافقتهم يتم التنسيق لزيارة المتقدم لهم، وفي حال الاتفاق يتم إنهاء إجراءات الزواج. وقد نجحت الجمعية في تزويج أكثر من 60 فتاة لم يكن بينهن سوى حالة طلاق واحدة تم تزويجها لاحقاً، وجميعهن الآن يعشن في السعودية في أوضاع ممتازة".

ووضعت الجمعية في أجندتها من الحلول التي يجب أن تقوم بها تمكين الراغبين بالعودة إلى أرض الوطن بطرق عدة، وقال "تمكنت الجمعية من مساعدة 25% من الرعايا بتمكينهم من العودة إلى أرض الوطن، سواءً من الفتيات اللواتي يتم تزويجهن من سعوديين أو من الطلاب الذين تجاوزوا سن 16 عاماً بعد موافقة أهلهم لزيارة ذويهم والعودة إلى مجتمعهم والانصهار فيه والتطبع بطبائعه، حيث كانت الجمعية تتكفل بجميع مصاريف السفر وتذاكر الطيران، بل إن الجمعية ساهمت في معالجة مشاكل بعض العائلات المقيمة في سورية مع أقاربهم في السعودية والتي كانت تمنعهم من العودة، فتدخلت الجمعية وأنهت المشاكل وتمكنوا من العودة إلى أرض الوطن".

70 دورة تدريبية

ويؤكد المدير الحالي للجمعية، حسن خويلدي أن الجمعية كانت تصرف على مناشطها أكثر من 17مليون ليرة سنوياً من دعم للأسر، ومكافآت للطلاب والطالبات، ورسوم للدورات التدريبية التي كانت تقيمها. مضيفاً أن "الجمعية أقامت أكثر من 70 دورة تدريبية داخل الجمعية، غير الدورات التي كانت تقيمها مع المعاهد التدريبية، وكان يستفيد منها أكثر من 1500 متدرب في شتى المجالات.. في تحفيظ القرآن الكريم والحاسب الآلي والتفصيل والخياطة والتدبير المنزلي والتمريض والخط العربي ودورات لكبار السن ودورات في المجال الرياضي، كما كانت الجمعية تقيم دورات التقوية للطلاب الملتحقين بمدرستها، إضافة إلى دورات مهنية استفاد منها عدد من الملتحقين الذين عادوا إلى أرض الوطن بعد ذلك وأصبحت مصدر رزق لهم، إضافة إلى دورات للمتسربين من التعليم ولكبار السن". وأضاف "كما كانت الجمعية تقوم بدفع تكاليف الدورات لطلاب المدرسة وتأمين وجبتي طعام إفطار وغداء، وكساء صيفي وكساء شتوي ومصروف شهري (200 ليرة) لكل طالب، وتتكفل بدفع مصاريف الطلاب الذين يتجاوزون الصف الرابع ويلتحقون بالمدارس السورية الخاصة، وتتعاقد مع أفضل المعاهد المختصة لإقامة بعض الدورات وتقوم بدفع كافة الرسوم إضافة إلى 1500 ليرة تدفع شهرياً لكل متدرب".

ختامها شلل

ويؤكد حسن خويلدي "وبعد 50 عاماً من العطاء والعمل الإنساني النبيل، وبسبب قلة موارد الجمعية وبعض القيود ساءت أحوال الجمعية وبدأت أنشطتها تتقلص إلى أن توقفت تماماً، حتى أصبحت عاجزة عن دفع رواتب العاملين فيها وتوقفت عن تقديم أي دعم للمدرسة وأصابها الشلل التام، بانتظار دعمٍ يعيد لها عافيتها ونشاطها الاجتماعي".

مسيرة تعليم

مديرة المدرسة رغد الرواف - سعودية مقيمة في دمشق حاصلة على البكالوريوس وخدمتها 23 عاماً، منها 14 عاما مديرة للمدرسة تم تعيينها من قبل وزارة التربية والتعليم السعودية- ، تقول "تم تأسسيس المدرسة مع بداية تأسيس الجمعية عام 1956"، وتضيف "تتم الدراسة فيها حسب نظام التعليم السوري من حيث المناهج، مضافاً إليها من المقررات السعودية الفقه والتوحيد والتاريخ والجغرافيا، وتستمر الدراسة من الصف الأول إلى الصف الرابع الابتدائي، إضافة إلى مرحلتي الروضة لمن هم دون سن 4 سنوات، والتمهيدي لمن دون 5 سنوات. و كان يلتحق بهما 35طالباً وطالبة سنوياً، وظلت المدرسة في نفس مبنى الجمعية حتى عام 1980حينما صدر أمر ملكي بتحميل ميزانية تشغيل المدرسة ورواتب المعلمات والعاملين فيها على وزارة التربية والتعليم بالمملكة، حيث تم شراء مبنى مستقل للمدرسة على نفقة الجمعية. وذكرت الرواف أن عدد الطلاب الذين تخرجوا من المدرسة تجاوز 5 آلاف طالب وطالبة، منهم خريجون يمارسون أعمالهم في السعودية، وكان عدد طلاب المدرسة لا يقل عن 100طالب وطالبة سنوياً، أما الآن فعدد الطلاب المسجلين لدى المدرسة لهذا العام 41 ، منهم 20 طالبا و21طالبة، وكلهم مسجلون في المدرسة هذا العام".

وطالبت الرواف وزارة التربية والتعليم بالاهتمام بالمدرسة من حيث توفير الأجهزة الحاسوبية والوسائل التعليمية لتتناسب مع المقررات الحديثة والتي تفتقدها المدرسة تماماً لتساعد المعلمات في أداء دروسهن وتساعد الطلاب في التلقي والفهم الجيد، كما طالبت بإعادة فتح الروضة وزيادة الصفوف الدراسية إلى السادس وأن يكمل الطلاب المرحلة الابتدائية. واعتبرت الرواف ضعف الموارد المالية هو ما أجبر المدرسة على إقفال الروضة والتمهيدي، وقالت "إن المدرسة منذ 5 سنوات تمر بأسواء أحوالها وينقصها الكثير، بدءا من الحافلات المتهالكة التي تنقل الطلاب والتي أصبحت مع كثرة أعطالها المستمرة غير صالحة للاستعمال بعد أن مضى على استعمالها أكثر من 37عاماً ".

معاناة معلمة

وتمنت المعلمة رانيا الغنيم -سعودية مقيمة في دمشق، حاصلة على البكالوريوس تم التعاقد معها كمعلمة في المدرسة منذ سنتين من قبل وزارة التربية والتعليم - أن تحظى عقودهن، هي وزميلاتها، بالترسيم وأن تكون رواتبهن حسب سلم وزارة التربية والتعليم من حيث العلاوات، مشيرة إلى أن راتبها لا يزيد عن 1200 ريال، وهناك من زميلاتها من المعلمات السوريات من تتجاوز رواتبهن ما تتقاضاه هي وزميلاتها السعوديات.