ماذا لو لم تكن رسالة الإسلام في العرب؟ وما حال العربِ حينئذٍ؟

بعد أن كان العربُ من أكثر شعوب الأرض فقرا وبُعدا عن الحضارة والمعرفة، وبعد أن كانوا يعبدون الخرافةَ من شجرٍ وحجَرٍ، وقل أكثر من ذلك في رداءة حالِهم السياسي وتفرّقهم وتناحرهم بين أنفسهم، وفي هذه الحالة الموغِلة في الانحطاط والعَدَميّة الحضارية؛ جاء الرسولُ محمد صلى الله عليه وسلم ليُؤسسَ لهم كيانا عظيما بين الأمم.

في هذا المقال؛ مناقشة عقلية حول هذا التساؤل تقارن بين الافتراضين بالعقل والمنطق، دعا إليها النقاش الساخن بعد العبارات المُسيئة لجناب الرسول الأعظم عليه الصلاة والسلام، نلمسها هذه الأيام من عدد من الشباب ممن يشعر بحالٍ من اليأس وردة الفعل إزاء ما نحن فيه من ضعف حضاري، وربما يتشابه عليهم الأمر ويظنون أن السبب يكمن في ديننا أو ثقافتنا! بينما أن ديننا هو سبب رُقيّنا وبروزنا بين الأمم في القرون المتتابعة، بَيْدَ أن المشكلة هي فينا نحن وممارساتنا وتفسيراتنا الخاطئة للإسلام بلا شك.

فقد عاش العربُ متفرقين متناحرين، بل لم يكن لهم دولةٌ ولا حضارةٌ تُذكر، ولم يكن لديهم حواضر معروفة - سوى ما كان في اليمن قديما - ولا صروح معرفية وثقافية، بل كانوا يعيشون على الكفاف ولأجل لُقمة العيش وسدّ الجوع. ساعد على هذا الظروفُ الجغرافية والبيئية في منطقة العرب، حيث لا توجد موارد ومصادر حياة طبيعية من ماء وكلأ تُساعد على بناء الحضارة والدولة كما هي في أرض القبط آنذاك في مصر أو في أوروبا وغيرها. ومن يقرأ مقدمة العالم الكبير ابن خلدون يجد الكثير من معاني هذا الأمر.

ثم جاء الإسلام؛ ومع الضعف الشديد في الموارد الطبيعية في المنطقة الجغرافية للعرب، ومع عدم وجود إرثٍ حضاري ومعرفي لدى العرب قبل الإسلام كما هو الحال بالنسبة للفرس والترك مثلا؛ إلا أنهم في سنوات معدودة اكتسحوا العالم وانتشر الإسلام ولغة العرب بشكل لا يمكن أن يُصدق وخارقٍ للعادة، وقد تحدث عن هذا الإنجاز العظيم العديدُ من المستشرقين والمؤرخين. بل لم يكتفِ بذلك المسلمون الأوائل، حيث قوضوا حضارات عريقة طالما سادت آلالاف السنين في بلاد فارس والعراق ومصر وبلاد الترك والهند والسند واليونان والرومان وغيرها.

هذه النتيجة والإنجاز الخارق للعادة لا يمكن أن يحصل دون أن تكون هناك أيديولوجيا سياسية -كما يعبر السياسيون - ذات قوة خارقة ومتطورة بشكل لا يُقاوم، وكما هو الحال هذه الأيام بالنسبة لحوار الأديان (مع غض النظر عن الجوانب السياسية والفكرية العامة التي يعاني منها المسلمون حاليا) فإن المؤشرات الحركية والقراءة التاريخية والمعرفية تُشير بقوة إلى أن الإسلام بعد أن تجاوز الصدمة الحضارية التي كانت بين القرنين الميلاديين الماضيين، فإنه الآن في مرحلة تسخينٍ - إن صح التعبير - وتجهيزٍ لانفجار حضاري آخر ربما يكون في قوّته قريبا من قوة ذلك الانفجار الحضاري الذي حصل في المراحل الأولى من تاريخ الإسلام، وربما يتحقق ذلك في العقود القريبة المقبلة. فمع أن بلاد المسلمين عموما تُعتبر حاليا من الأكثر تخلفا من الناحية المعرفية والاقتصادية والصناعية، إلا أن المسلمين يشاركون بقوة في مقاومة المفاهيم الأخرى - خصوصا الغربية - بشكل لا يعكس ضعفهم المعرفي والاقتصادي! مما يشير إلى قوة تلك المفاهيم التي يدافعون عنها وصلابتها.

وبالإشارة إلى هذه المؤشرات؛ لا أعني أننا لا نعاني من مشاكل معرفية أو ثقافية، إلا أنني أردت إلقاء الضوء على الجوانب الإيجابية التي نحملها ويجب أن نعتزّ بها. وفي ذات السياق؛ يجب أن يُذكر أن هنالك الكثير من القضايا المِحْورية التي نعاني منها، والتي تقف حجر عثرة أمام تلك الانطلاقة الحضارية؛ إلا أن الأمارات التي يشير إليها التطوّرُ التدريجي في فكر المسلمين تدل على مدى استجابتهم وتكيّفهم مع المستجدات واحتوائها، وإن كانت تسير ببطء خاصة في منطقتنا نظرا لقساوة الثقافة الاجتماعية وحداثة الحضارة على المنطقة.

يملؤني اليقين أننا ما زلنا نملك ما لا يملكه غيرنا. شيئاً يُعطينا وقودا يجعل منا أقوياء بشكل لا يمكن الوقوف أمام مبادئنا وثقافتنا؛ إلا أننا في الحقيقة نحتاج إلى أن نصل إلى الطريقة السليمة للجمع بين مبادئ الإسلام العامة من جانب، وضرورات وتطوّرات العصر الحديث من الجانب الآخر. هذا التوازن ضروري لوَصْل الحَلقَة بين مبادئنا وثقافتنا المبنية على أسس الإسلام العظيم وبين ضرورات واحتياجات العصر من التفاهم والحوار ولغة السلام والمصالح المشتركة.