تابعت على قناة ـ دريم الفضائيةـ المصرية حوار أربعة نواب جدد يدخلون قبة مجلس الشعب المصري للمرة الأولى ثم يتحدثون عن تجربة قصيرة جداً وينثرون مشاعرهم بعيد أربع أو خمس جلسات في ظرف أسبوعين هما تاريخ أول مجلس يولد بعد الثورة المصرية، وبانتخابات حرة وصادقة نزيهة.
وما كشفته خلال ثلاث ساعات من الحوار ـ النيابي ـ الممتع على شاشة فضائية يبرهن لي أن تمثيل أصوات الشعب تحت قبة أي برلمان أو مجلس يحتاج إلى إرث ثقافي وعمق ديموقراطي، وهذا ما ينقص التجربة العربية في العموم، ذلك أنها ما زالت تجربة ناشئة.
أقدم ديموقراطيات العرب الحقيقية من حيث النزاهة هي تجربة مجلس الأمة الكويتي، وللأسف الشديد فإنها تثبت ما أريد أن أقوله اليوم في كل مقال هذا اليوم وبجملة واحدة: إن البرلماني العربي لا يحسن حتى اللحظة تمثيل هذا الدور ولا يتقن بكل تأكيد ما هو المقصود والمطلوب منه حين يصل عبر الصندوق إلى قبة البرلمان أو المجلس.
في قبب البرلمانات ذات الإرث الثقافي الطويل التي تحمل عمقاً ديموقراطيا عبر السنين لا يعتمد عضو المجلس على مجرد صوته في مداخلات متقطعة يأتيه الدور فيها لدقائق قليلة في بعض الجلسات، فمثل هذه المداخلات إنما تحيل العضو إلى ظاهرة شفهية تزايد على القضية المطروحة للنقاش داخل المجلس. عضو الكونجرس الأميركي، مثالاً، لديه فريق من الخبراء ومن الاستشاريين الذين يدرسون له أبعاد القضايا ويدرسون له بالبحث العلمي سبر أغوار توجهات الرأي العام. وفي العاصمة الأميركية هناك ثقافة واسعة تؤسس لكثير من معاهد الأبحاث المتخصصة التي تعيش على تمويل أعضاء الكونجرس وتزودهم بخبراتها وفق تعاقدات رسمية.
هنا سؤالي: هل يوجد لدينا في مجلس الشورى وحدة أبحاث متخصصة يلجأ إليها أعضاء المجلس طالما أن الأعضاء لا يستطيعون تكوين أذرعتهم الاستشارية الخاصة؟
في بريطانيا، كمثال آخر، يحتاج عضو مجلس العموم الجديد الذي يدخل (وستمنستر) للمرة الأولى إلى دورات تدريبية على طبيعة المهمة، وفي لندن ابتدأت قبل أكثر من قرن من الزمن معاهد اختصاصية لتدريب هؤلاء الأعضاء على طبيعة العمل الجديد وأهدافه ومهماته.
هنا، في العالم العربي العكس هو ما يحدث فكل أعضاء البرلمان مجرد ثقافة شفهية.