لم تمنع قسوة الظروف المناخية التي تعيشها المملكة صيفا وشتاء، إلى جانب الحياة في مجتمع محافظ، المرأة السعودية من مزاولة مهنة ترى فيها ضمانا لدخل أسرتها، وحياة "عفيفة" تجنبها ذل السؤال، ضاربة أروع الأمثلة في الكفاح الإنساني.
في محافظة النعيرية التابعة للمنطقة الشرقية، تتجه "أم عبدالله" صباح كل خميس، إلى "سوق الخميس الشعبي" التي مضى على تأسيسها قرابة الـ25 عاما على يد بعض كبيرات السن في المحافظة، لتجد "أم جزاع"، و"أم عبيد" وغيرهما من زميلاتهما في المهنة بانتظار اكتمال العدد، ليبدأن التباحث في أمورهن اليومية وشؤون السوق التي توفر لهن المصدر الرئيس للدخل عبر ما يبعنه من منتجات حرفية، ومواد غذائية، لسد احتياجاتهن الحياتية.
تخرج تلك السيدات من بيوتهن كل خميس يحملن معهن ما يمكن بيعه في هذه السوق التي قدمت خدماتها لروادها القادمين إليها من المحافظة ذاتها والمحافظات القريبة، حتى أصبحت قبلة للكثير من المسافرين والزوار من المناطق والدول المجاورة، إذ تحتوي على بضائع تراثية يندر وجودها في أي مكان آخر، يتهافت عليها الناس من مختلف الجنسيات والأعمار، بالإضافة إلى المواد الأخرى، مثل اللبن المجفف، والذي يسميه أهل البادية بـ"الاقط"، وكذلك السمن البلدي، بالإضافة إلى المنسوجات اليدوية كمفارش السدو، ولوازم البيت البدوي.
وتقول أم عبدالله إنها وضعت مظلة لحماية ما تعرضه للبيع من مواد ومنتجات في "بسطتها"، إلا أن ذلك لم يمنع "بضاعتها" من التعرض للتلف، فـ"الطربال" البلاستيكي والمظلات الخشبية لا تحمي من حرارة الشمس صيفا، ولا تقي من الأمطار شتاء.
أما أم جزاع فأشارت إلى أهمية تخصيص محال ثابتة للسيدات ليتمكن من مواصلة عملهن، ولحفظ بضاعتهن من التلف والضياع، منوهة إلى تعرض منتوجاتها اليدوية للتلف والضياع عند عرضها على "البسطات" ذات الموقع المتواضع.
في حين نوهت أم عبيد إلى طلبهن من البلدية الخروج من هذا الموقع، والبقاء تحت ألواح خشبية أو صناديق صغيرة على محاذاة الطريق طلبا للزبائن، مشيرة إلى أن هذه الألواح والصنادق تمتد من بداية دخول السوق الشعبية في الجهة اليمنى بشكل طولي وحتى نهاية سوق المواشي الموجودة في الجهة المقابلة لسوق الخميس.
وتقول بائعة أخرى، إن أسعار المواد الغذائية في السوق تتدنى أيام الصيف، ويصل سعر الكيلوجرام الواحد من السمن إلى 100 ريال، بينما يصل سعره خلال فصل الربيع إلى 500 ريال.
وتشير بائعة أخرى إلى أن إقبال الأهالي والزبائن والسياح على الشراء جيد جدا، فهناك الكثير من السياح الأجانب يهتمون بالتراث، وخصوصا السعودي منه، ويأخذون الكثير من منتوجاتنا لبلادهم.
وفي السنوات الأخيرة، ساهم اعتدال الأجواء في المحافظة، وخصوصا خلال موسم الربيع، ووقوع النعيرية على طريق السفر الدولي المؤدي إلى أكثر من بلد مجاور، في إقبال الكثير من مرتادي البر على زيارة المحافظة، كما ساهم في شهرة سوق الخميس وكثرة زبائنه، مما رفع أعداد النسوة اللاتي يقدمن بضائعهن في السوق، وكان سببا في اقتحام السوق من قبل الكثير من العمالة الوافدة للترويج لبضائع تقليدية في السوق التي اشتهرت بكثرة زبائنها، وتجاوزت النطاق المحلي، الأمر الذي أزعج نسوة سوق الخميس، اللواتي ساهمن في شهرة السوق التي تجاوزت عدة أسواق معروفة في المنطقة الشرقية مثل قيصرية الأحساء، وسوق الخميس في القطيف ـ بحسب قولهن ـ.
من جانبها، بذلت بلدية محافظة النعيرية جهودا كبيرة لتطوير السوق، حيث تمت إعادة تنظيمها بعد نقلها لموقعها الجديد، وعلى مساحات محددة للبسطات تقدر بقرابة 120 بسطة مخصصة للنساء، مما وفر مساحات كبيرة تتسع لعدد أكبر من البسطات النسائية، وإيجاد مساحة واسعة لتنقل مرتادي السوق التي تشهد إقبالا كبيرا من الزبائن، الذين يشكل فيهم الخليجيون العدد الأكبر من حيث الحضور والتواجد في السوق.
إلا أن ما قامت به بلدية المحافظة لم يحل مشكلة البائعات، فالباعة الجدد من الوافدين لا يزالون يقتسمون كعكة السوق مع النسوة المؤسسات.