لم أسمع بشاعر في الزمن العربي الحديث أعلن التمرد المطلق وطبقه داخل وطنه مثلما فعل الشاعر السوري الراحل فيصل بليبل (1919 – 1984).. حتى مظفر النواب "المتمرد" خرج من وطنه، فيما بقي فيصل يقارع الظلم والإقامة الجبرية ناقدا للنظام ساخرا منه، مقتنعا بمبدئه حتى لو كلفه ذلك حياته.
بعد النكسة كتب أبياتا تناقلتها الأجيال، ورددها العرب ما بين المحيط والخليج، والكثير يحسبها وينسبها لـ"نزار قباني"، وأضاف البعض عليها من عندهم حتى تضاعفت. لم يعترض فيصل، بل إنه قال في جلسة في بيته بالرقة: يكفيني أنها انتشرت.
مما جاء في القصيدة، وعذرا لوضع نقاط مكان بعض المفردات، فالشاعر كان مقذعا قاسيا في وصفه:
(غنت فيروز مغردة
أجراس العودة فلتقرع
الآن الآن وليس غدا
أجراس العودة فلتقرع
من أين العودة يا هذي
والعودة يلزمها مدفع
والمدفع تلزمه كف
والكف يكون لها إصبع
والإصبع منهمك يلهو
في ....... الشعب له مرتع
خازوق دق ........
من شرم الشيخ إلى سعسع)
يوم اعتقد أن الثورة ستقود التغيير كتب قصيدته الشهيرة المغناة التي مطلعها:
(من قاسيون أطل يا وطني
فأرى دمشق تعانق السحبا)
لكنه صب جام غضبه على الثورة ورجالاتها حين تحولوا إلى منتفعين باسم حزب "البعث"، ومن ذلك قصيدته الساخرة في رثاء أمين أحد فروع الحزب وعضو قيادة فيه، وهي طويلة من أبياتها:
(نسينا القدس والأقصى وسينا
ومرتفعات عزتنا نسينا
ولكن الذي ما ليس ينسى
رفيق في التراب غدا دفينا
فوا عجبا أمين الفرع يقضي
ويسكن حفرة كالآخرينا
كأن الحزب لم يمنحه عهدا
ولم يرفعه فوق الأكرمينا
لعمرك ما المصيبة فقد أرض
ولا يوم انكفأنا هاربينا
إذا سلم الرفاق فلا نبالي
..... في المعارك أم .....)
هكذا كان فيصل بليبل يمارس انتقاداته للنظام في زمن يعد ملائكيا بالمقارنة مع ما يحدث اليوم في وطنه. رحمه الله، فقد ترك إرثا شعريا موجودا لدى ابن أخيه الشاعر بسام بليبل، يعد لتقديمه في إصدارات تشهد على مرحلة من التاريخ السوري والعربي.
أذكر أنني قرأت إشارته في ديوانه "قصائد مزقها عبدالناصر" الصادر منذ خمسة عقود إلى أن ديوانه المقبل سيصدر تحت عنوان "المعارض العربي الأول"، لكنه لم يصدر لظروف لا أدريها. ولديه ديوان آخر بعنوان "وافيصلاه" عبرت قصائده عن تقدير الشاعر لمواقف الملك فيصل بن عبدالعزيز بشقيها العربي والإسلامي.