المكان كان الرياض، كان علي أن ألبّي دعوة أحدهم لزواج شقيقه، لم نعتد

- وإن كنت أتكلم عمن أعرفهم - على أن نسعد بزواجاتنا، بل تشعر حين يقذفك حظك الجميل بأحدها أنك بمأتم.. وجوه متعبة وبهجة ذابلة، وتحس أن من بجانبك قد يسقط فجأة بحضنك باكيا، أو أن ينظر لك القهوجي بعين الشفقة ولسان حاله يقول: أتريد قهوة؟ شايا؟ أأنت نادم على اقتراف جريمة الحضور؟

كالعادة قبّلت العريس وقلت له أشياء حفظتها منذ سنوات، كـ: الليلة ليلتك ياعريس، شد حيلك ها..؟ لكنه رمقني بنظرة كأنها تقول: احتفظ بكلماتك المملة لنفسك، أهلا بك على أي حال!.. رجعت لمكاني منتظرا العشاء.. حتى الآن كانت كل التفاصيل تشي بأن هذا التجمع كغيره..

نادى المنادي: يا قوم عشاؤكم، تسارعت خطاي مع من جاؤوا معي، التهمنا أكبر قدر من الأرز واللحم، عاودنا الجلوس بنفس أمكنتنا و.. ثرثراتنا. حينها، أزاح الرجال الكراسي، كل الكراسي، وفرشوا "الزوليات".. جاءوا بـ"الطِيران"، انقسموا لصفين، ثم بدأ أحدهم بـ"شيل العرضة"، بدأ حينها الجميع بالفرح بشكل لم أعتد عليه، كنت أتحسس وجه من بجانبي لأتأكد أني لم أخطئ المكان، لأن وجهه علامة فارقة على وجودنا بالرياض.. حتى كبار السنّ كانوا "يلعبون" بسيوفهم، واللعب هي المفردة الرجولية المقابلة لـ"الرقص"، كانت القاعة تضجّ بأهازيجهم.. كان السرور بوجه كل منهم، دون مبالغة لم يكن أحد جالسا إلا نحن، قلت لمن بجانبي: لم لا نشاركهم، هل ستصيبنا حساسية لأننا لم نعتد على ذلك؟ وقبل أن أكمل ما قلت كان العريس يحرضني على الوقوف ومشاركتهم، ولأن الإنسان بداخلي كان متحفزا، فلم أكف عن مشاركة هؤلاء الرجال ما يقومون به، الرجال الذين اهتموا ببعث الفرح من جديد.