عُرفت محافظة القطيف بصناعة أدوات القطع الزراعية الحادة والأسلحة التقليدية، كالسيوف والرماح الخطية قبل الإسلام، وقد اضمحلت أغلب هذه الصناعات التراثية تدريجياً في المنطقة منذ أكثر من 70 عاماً.
وحتى وقتٍ قريب، كانت صناعة السكاكين والمدي والمناجل منتشرة في الـقطيف، إلا أن تلك الصناعات لم يتبق منها سوى صناعة المنجل، والـذي يعد من أدوات القطع الزراعية الـتراثية، ويبدو أن هذه الـصناعة في طريقها للإندثار، إذ لم يبق من صنّاعها في محافظة القطيف سوى اثنين من الحرفيين فقط.
ويقول المؤرخ المعاصر والباحث في المأثورات الشعبية علي الدرورة إن صناعة المنجل في المنطقة قديمة قدم شجر النخيل، وقد رافقت حاجة الفلاح لتكريب النخيل أو ما يعرف في المنطقة بـ"الترويس" وهي عملية يقوم فيها الفلاح بتخليص النخيل من السعف اليابس بواسطة المنجل، وقد تفنن حرفيو المنطقة بصناعتها في الماضي، وهي تشبه إلى حد بعيد صناعة السيوف نتيجة لإرثهم وخبرتهم في هذه الصناعة التي أوشكت شمسها على الأفول.
ويعتقد المؤرخ الدرورة أن بقاء المنجل الذي ما زال يصارع عوادي الزمن حتى هذه اللحظة يعود إلى وجود النخيل في المنطقة، إذ أن الطلب عليه عائد إلى كونه مهماً وأساسياً لكل صاحب بستان نخيل.
يقول عيسى قاسم أبو سعيد (44عاماً)، وهو أحد أصحاب هذه الحرفة وقد شارك في المهرجان الوطني للتراث والثقافة "الجنادرية" على مدى 6 سنوات متتالية، لـ"الوطن"، إنني أزاول هذه الحرفة بشكل رسمي منذ عقدين من الزمن رغم أنني موظف في الشركة السعودية للكهرباء، وقد ورثت هذه الصنعة من أحد الحرفيين القدماء، وحتى لا تندثر هذه الحرفة فقد قررت الحفاظ عليها أنا وابني الذي يتعلم مني الآن، وأتمنى أن يواصل ابني المشوار.
ويضيف أبو سعيد قائلاً: إن هذه الحرفة كانت إحدى موارد الرزق لكثير من الحرفيين من أبناء المنطقة في الماضي، وقد كانت لهم عدة دكاكين يمارسون فيها حرفتهم في سوق الجبلة التي كانت تقع بالقرب سوق السمك التي تتوسط مدينة القطيف الآن، إلا أن التطور والاعتماد على المصنوعات الحديثة أدى إلى اندثار تلك الدكاكين ولم يبق منها شيء.
وتمر صناعة المنجل بأربعة مراحل - كما يقول أبو سعيد - المرحلة الأولى هي صناعة "المقبض" الذي يتصل بالنصل ويصنع في الماضي من خشب أشجار التوت، وهي أشجار منتشرة بكثافة في المنطقة، أما الآن فيتم صناعته من الخشب المستورد من الخارج، والمرحلة الثانية هي صناعة "المسمار" الذي يصنع من أسياخ الحديد بعد تسخينها بالنار وطرقها، ويستخدم لتثبيت المقبض مع النصل، والمرحلة الثالثة هي صناعة "الساق" وهو النصل الذي يتم تسخينه على النار وطرق الجزء الأمامي منه حتى يصبح على شكل هلال، والمرحلة الرابعة هي صناعة "الحبل" الذي يصنع من ليف النخيل ويتم لفه على المقبض.
ويشير أبو سعيد إلى أن الطلب على المنجل موسمي حيث يصل قبيل موسم ترويس النخلة إلى 100 منجل شهرياً، بينما يخف الطلب عليه في الأيام العادية من 10 إلى 30 شهرياً، وتتراوح أسعاره من 50 إلى 100 ريال، وذلك وفقاً لنوعية الحديد المصنوع منه.