حتى بلطجة كرة القدم العربية أصبحت وصمة عار على جبين الربيع العربي. مطلع فبراير الجاري تزامن مقتل 74 مصرياً أثناء مباراة الدوري المصري لكرة القدم في "بور سعيد" مع انعقاد مؤتمر "هرتسيليا" تحت عنوان "إسرائيل في عين العاصفة" في مستوطنة "هرتسيليا" قرب مدينة حيفا في فلسطين المحتلة.

شارك في هذا المؤتمر عدد كبير من القادة الإسرائيليين وشخصيات دولية بينها رؤساء ووزراء الدول المتقدمة وكبار المسؤولين في المؤسسات والمنظمات الدولية، لبحث الاستراتيجية الأمنية والسياسية والاقتصادية لدولة إسرائيل. ويعتبر هذا المؤتمر أحد أهم المؤتمرات الأمنية الإستراتيجية لإسرائيل، لكونه يسعى لتحديد المخاطر الأمنية التي تحيط بهذه الدولة وكيفية مواجهتها.

بحث المؤتمر في مواضيع الأزمة الاقتصادية العالمية وأثرها على دولة إسرائيل، وقيمة إسرائيل الاستراتيجية بالنسبة إلى أميركا، وملف التجاذب السياسي والأمني بين تل أبيب وواشنطن وطهران، وأثر ثورات الربيع العربي على حركتي "حزب الله" و"حماس".

كان الهاجس الأول لمؤتمر "هرتسيليا" يصب في مواجهة نتائج الربيع العربي والملف الإيراني، وأصدر بيانه متزامناً مع نتائج مباراة "بورسعيد"، ليؤكد على أن ثورات الربيع العربي ستكون من صالح إسرائيل. أوصى المكتب السياسي للمؤتمر بالترويج لخطة إعلامية تنفذها وسائل الإعلام المتعددة، تهدف للترويج لمزيد من الفتنة في دول الربيع العربي.

عندما فتحت منظمة الصهيونية العالمية باب عضويتها لكل من يؤمن بالأفكار الصهيونية ويعمل على الإسراع بتحقيق أمانيهم وتطلعاتهم، كانت أهدافها تصب في زعزعة الأمن القومي للدول العربية. وكان هنالك اتجاهان معاكسان داخلها، الأول: يقوده "ثيودور هرتسل" ويؤمن بأن الخلاص لليهود لا يمكن تحقيقه عبر عملية متقطعة لإقامة المستعمرات، وإنما عبر عمل سياسي وإعلامي متكامل على الصعيد العالمي. أما الهدف الثاني، الذي كان يقوده "ديفيد بن غوريون"، فقد اعتبر أن مهمة الصهيونية يصب في العمل الأساسي لتهجير أكبر عدد ممكن من اليهود إلى فلسطين وزيادة المستوطنات بها.

في المؤتمر الصهيوني السادس الذي انعقد عام 1903 وصل عدد أعضاء المنظمة إلى أكثر من مليوني عضو، وأصبح عدد الجمعيات الصهيونية 1572 جمعية موزعة على بلدان مختلفة، من أبرزها الحزب الشيوعي. إلا أن الدول الموالية لإسرائيل بدأت تخشى من انجراف الصهيونية تجاه التمييز العنصري والتحيز العرقي، مما حدا بالدولة الإسرائيلية إلى الإسراع في وضع استراتيجية إعلامية محكمة لتضليل الرأي العام العالمي من خلال نشر غسيل العالم العربي وفضائحه ومجازر رؤسائه تجاه شعوبه لكسب عطف شعوب العالم وغض النظر عن أساليب الصهيونية الاحتيالية.

لم يكن صعباً على "ثيودور هرتسل"، مؤسس الصهيونية السياسية المعاصرة، تحقيق أهدافه. وُلِدَ هذا الصحفي اليهودي في "بودابست" بالمجر عام 1860 وتوفي في "إدلاخ" بالنمسا عام 1904. في مقتبل حياته درس "هرتسل" القانون وحصل على الدكتوراه عام 1884، ليعمل في المحاكم النمساوية، ثم في الصحافة وتأليف القصص والمسرحيات وأصدر كتابه عن "دولة اليهود" في عام 1887.

بدأت أفكار "هرتسل" تتشكل عن الحركة الصهيونية، وذلك بعد إصابته بالإحباط نتيجة عدم تعاون أغنياء اليهود في تمويل مشروعه لإقامة وطن قومي لليهود، فبادر بوضع حجر الأساس لمشروعه خلال انعقاد المؤتمر الأول للصهيونية في مدينة "بازل" بسويسرا عام 1897، ليتم انتخابه رئيساً للمنظمة الصهيونية العالمية.

كان مشروع "بازل" يهدف إلى إقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، الأرجنتين، أو في أنغولا من خلال تشجيع هجرة اليهود ولمّ شملهم ودمجهم بالحركة الصهيونية، مع الحصول على تأييد دول العالم لهدف المشروع وإعطائه الشرعية الدولية.

بعد قيام دولة إسرائيل اشتعلت الصراعات الداخلية في صفوف المنظمة، إذ رأى البعض أن وجودها أصبح غير ذي جدوى ويجب أن تندمج في مؤسسات الدولة، في حين رأى البعض الآخر أن تظل المنظمة مستقلة وتنشط في خدمة إسرائيل في الخارج. تغلب أصحاب الرأي الأول وزاد تأثيرهم بعد انتخاب "ناحوم غولدمان" رئيسا للمنظمة عام 1949. وفي عام 1967 عدَّلت المنظمة الصهيونية من أهدافها بعد قيام إسرائيل، حيث صدر برنامج "أورشليم"، الذي نص على أن أهداف الصهيونية تصب في وحدة الشعب اليهودي ومركزية أرض إسرائيل وجمع الشعب اليهودي في وطنه التاريخي عن طريق الهجرة من كل بقاع الأرض، مع المحافظة على أصالة الشعب بتنمية التعليم اليهودي واللغة العبرية وبث القيم الروحية والثقافة اليهودية.

مؤتمر "هرتسيليا" استطاع خلال فترة قصيرة تغيير الخارطة السياسية الإسرائيلية، حيث ظهر حزب "كاديما"، الذي يضم عناصر من حزب "الليكود" وحزب "العمل". وفي نهاية عام 2000 انعقد مؤتمر "هرتسيليا" تحت شعار "بناء ميزان القوة الوطنية والأمن في إسرائيل"، الذي توصل إلى قطع المعونات الاجتماعية عن العائلات العربية، وترحيل العرب من عدة مناطق، واغتصاب الأراضي، وتحويل المواطنين الفلسطينيين إلى مجرد إقامة دائمة يمكن إلغاؤها في أي وقت، وإعطاء حق التصويت لليهود في الخارج.‏

في شهر فبراير الجاري، انعقد مؤتمر "هرتسيليا"، ليطلق برنامجه الإعلامي الهادف لتشويه صورة العالم العربي بوتيرة أسرع، وأكد على ضرورة استغلال إسرائيل لهفوات دول الربيع العربي وتنفيذ الفصل القادم من سياسات الصهيونية العنصرية.‏

بعد مرور 108 سنوات على وفاة "هرتسل" مؤسس الصهيونية العالمية، تحقق إسرائيل اليوم من خلال جحافل الشبيحة وعصابات البلطجة وفلول الهلوسة ما لم تحققه مؤتمرات "هرتسيليا" في تحوير وتضليل عين عاصفتها الإعلامية. ‏