بات من الواضح أن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز يقود بنفسه مرحلة هامة وفارقة من التحولات الدقيقة التي يمر بها العالم العربي بما جعل المملكة وقادتها وشعبها أمناء على هذه الأمة. والملك عبدالله لا يخرج في نهجه هذا عن نهج أسلافه من إخوانه ملوك هذه البلاد الذين سبقوه سعود وفيصل وخالد وفهد، الذين هم بدورهم ساروا على نهج والدهم الموحد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن يرحمه الله.
لقد أسهمت حكمة الملك عبدالله يحفظه الله في كل التحولات التي يعيشها العالم العربي خلال ما يسمى بالربيع العربي في السعي لاستقرار تونس بعد ثورتها.
وكذلك الأمر بالنسبة لليمن ودور المملكة المبدئي في مساندة الشعب اليمني في ثورتها على رئيسها علي عبدالله صالح والوقوف إلى جانبه في مطالبه الشرعية وما أعقب ذلك من مبادرة خليجية راوحت بين المد والجزر والأخذ والرد حتى إقرارها أخيرا، وصار أثرها واضحا في التحول التدريجي الذي تعيشه اليمن وما ستؤول إليه أمورها من استقرار.. وليس ببعيد عن
المراقب الاهتمام الواضح للمملكة ودورها المركزي وقوفا إلى جانب الشعب المصري والمساندة المادية والمعنوية بما يحقق لمصر وشعبها انتقالاً سلميا للسلطة هناك، وما زالت المملكة تتابع بقلق ما يجري من أحداث مؤسفة راح ضحيتها المئات من أبناء مصر، وبنفس الدرجة فإن ما يحدث في الشقيقة سورية قد أقض مضجع الملك العروبي عبدالله بن عبدالعزيز وكان أول قائد علق الجرس عندما وصل أمر التمادي هناك إلى ذروته فكان ما كان من خطاب الملك عبدالله الشهير ودعوته القيادة السورية إلى التسامي والترفع عن ترويع وسفك دماء الأشقاء من أبناء الشعب السوري، ووضع القيادة السورية هناك أمام التزاماتها الحتمية قوميا وإنسانيا والسعي لتحقيق تطلعات الشعب ووأد الفتنة.. لكن الإخوان في النظام السوري صموا آذانهم عن سماع الحق وأمعنوا سفكا وتقتيلاً وقصفا ومداهمة وترويعا للآمنين، ولم تشفع مبادرة الجامعة العربية ولا الوساطات الدولية ولا النداءات الشعبية ولا التذمر العالمي.
كل ذلك وأكثر منه لم يحرك ساكنا ولم يغير في مسار الجريمة شروى نقير، وكان النظام الحاكم في سورية ـ بلا شك ـ يراهن على انقسام الموقف الدولي، ما ظهر واضحا أمس الأول في مجلس الأمن عندما صوتت روسيا والصين ضد مشروع القرار العربي/الغربي واستخدمتا حق النقض (الفيتو) بشكل سيوحي للنظام السوري أن أطلق يدك قتلاًًًً وسفكا في الناس ونحن نحمي ظهرك، لكن التحولات الشعبية على مدار التاريخ ما انتظرت قرارات نقض.. واعتراض. فالثورة الشعبية السورية سائرة نحو بغيتها وسيحقق الشعب مراده في أن ينعتق من قبضة العصابة المجرمة، وسيبقى الشعب السوري الشقيق وما يلاقيه من محن في أولويات اهتمام الملك الصالح عبدالله بن عبدالعزيز ولن يهدأ له بال حتى تنجلي الغمة وينقشع هذا السواد الذي يجلل المنطقة وكما كان – يحفظه الله – من البداية راعيا أبويا لتطلعات الشعوب العربية المغلوبة على أمرها وكان له قصب السبق في خطابه الأول فيما يخص أحداث سورية، فقد أمر – يحفظه الله- بإلغاء الأوبريت الغنائي للمهرجان الوطني للتراث والثقافة لهذا العام تضامنا ووقوفا مع الأشقاء من الشعب السوري في مواجهة ما يحدث من سفك لدماء الأبرياء وترويع للآمنين، وينسحب الأمر برمته أيضا في التضامن مع ما يحدث في مصر الشقيقة، بل إن أحداث الربيع العربي وما جرى ويجري في اليمن وليبيا من أحداث مؤسفة إنما يجيء كمسوغ لإلغاء هذا الأوبريت الغنائي.
وكان خادم الحرمين الشريفين "قد ترحم على الشهداء سائلاً المولى عز وجل أن يزيل الغمة عن بلادنا العربية والإسلامية ويحفظ أمنها واستقرارها ويدحر كيد أعدائها المتربصين بها".
ولا شك أن الرمزية في إلغاء الأوبريت الغنائي لتؤكد نهج خادم الحرمين الشريفين المهموم بقضايا أمته العربية والإسلامية، ولا شك أن الشعب السعودي يفخر ويزهو لهذه المواقف التي تظهر حجم قوتنا السياسية وحجم محبتنا لإخوتنا من الأشقاء العرب والمسلمين ودور بلادنا المحوري والحيادي.