تسوق الولايات المتحدة منتجاتها العولمية بخفة وذكاء، فلعب الـ"فيس بوك" دوره في الربيع العربي 2011، فيما كان الظهور الفعال لـ"تويتر" في احتجاجات الثورة الخضراء الإيرانية 2009، وقبل ذلك كانت "فوكس نيوز" نجم عملية غزو العراق 2003 أما CNN فاكتفت بمجدها الذي حققته في حرب تحرير الكويت 1991 وغابت بعده، في حين أن إذاعة أوروبا الحرة مارست دورها في سقوط الشيوعية من خلال دومينو دول شرق أوروبا الذي بدأ بإضرابات عمال نقابة تضامن لبناء السفن في حوض غدانسك، وانتهى بليخ فاونسا إلى رئاسة الحكومة البولندية 1989، أما هوليوود فكانت مهمتها محددة بغسيل هزيمة فيتنام من ذاكرة البشرية بعد 1975 والتبرير لغزو أفغانستان.

أما بعد الحرب العالمية الثانية فكان صوت أميركا صوتا لمواجهة الهوس الثوري الشيوعي الذي اجتاح العالم، أما السوفيت فحاولوا عبر دار التقدم وجامعة باتريس لومومبا نشر مبادئهم عبر الترجمات المرموقة لجواهر الأدب الروسي وأفكار ماركس والمتأثرين به، بينما اكتفى الإنجليز بأيقونتهم الأثيرة BBC التي تناسلت لاحقا إذاعات وقنوات، معتمدين على أجيال اعتادت متابعتها.. فكبار السن في السعودية والخليج الذين لم ينالوا حظا من التعليم قبل التدفق المالي بفعل وفورات النفط ما زالوا يسترجعون بحنين ومتعة برنامج "بين السائل والمجيب"، أما "مونت كارلو"، الذراع الفرنكفوني الثقافي، فكانت تثير تندرهم ببرامجها التبشيرية. وحين هلع بعض المثقفين العرب من بدء بث قناة إسرائيلية باللغة العربية قبل أكثر من عقد من الزمن فاتهم أن الفضاء الكبير قادر على إزالة أي رعب، لأن الناس لم يلتفتوا لتلك القناة، واليوم يستقبل العرب قنوات روسية وصينية وكورية وتركية وأوروبية هدفها التواجد بحثا عن فرص اقتصادية أولا وثقافية ثانيا كتبعات لأحداث الحادي عشر من سبتمبر.

تحول مزاج الناس في المشاهدة والاستماع نحو أنفسهم وقضاياهم ورموزهم.. انغلقوا قليلا، لذا تمتلئ مصر وكذلك الكويت، كنموذجين، بعشرات التلفزيونات ذات رأس المال المحلي، التي تتحدث محليا ومحليا فقط، لذلك كان الإنترنت هو الوسيلة في إحداث التغييرات السياسية والاجتماعية الأخيرة.. الإنترنت الذي هو أهم المنجزات الثقافية بامتياز حتى الآن على الأقل.