لا أعرف كيف استطاع الدكتور شاكر عبدالحميد تأليف كتاب جاد وضخم حول الضحك! ضمن سلسلة عالم المعرفة التي يصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في الكويت؟ لقد حاول المؤلف قدر الإمكان أن يخفف من الصرامة والجهامة والجفاف العلمي الذي يتبدى في صفحات كثيرة من الكتاب، مستعرضاً المبررات التي دعته إلى تأليفه، حيث أكد على ضرورة الاهتمام بالجوانب الخاصة من السلوك الإنساني المرتبطة بالتفاؤل والأمل والشعور بحسن الحال، ليس لأنها جوانب ترويحية تتعلق بتفريغ الطاقة وإخلاء البال مؤقتاً من الهموم فقط؛ ولكن بوصفها طرائق لمواجهة الغضب والعدوان واليأس والشعور بالنقص والقلق وكل الانفعالات السلبية التي قد تسيطر على الإنسان، وتوقعه في براثن الاكتئاب واليأس والمرض والإهمال واللامبالاة.

إن الفكاهة والضحك موضوع لا يمكن دراسته من جانب أحد المتخصصين في حقل معرفي واحد بعينه، فهو موضوع جدير بالدراسة البينية، وذلك لأنه ظاهرة تتقاطع في دراستها حقول معرفية عديدة، كعلم وظائف الأعضاء، الفلسفة، علم النفس، علم الاجتماع، التاريخ، النقد الأدبي، السينما والمسرح والتلفزيون، حيث يزدهر هذا السلوك في أوقات معينة لدى الشعوب والجماعات فبعضهم يقول: إن الفكاهة والضحك يزدهران أثناء الأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وبعضهم يقول: إن العكس هو الصحيح، حيث تؤدي الأزمات الشديدة إلى حالة من الاكتئاب الجماعي لا تفيد معها أي فكاهة ولا أي ضحكات، والضحك عند العرب مراتب تبدأ بالتبسم ثم الإهلاس، الافترار، الانكلال، الكتكتة، القهقهة، الكركرة، الاستغراب، الطخطخة؛ ويقصد بها حين يضحك المرء مصدراً أصواتاً من فمه وأنفه، ثم الإهزاق والزهزقة وهي أن يذهب الضحك به كل مذهب، والفكاهة محصلة لثلاثة عوامل أساسية هي: العمليات العقلية والانفعالية المستخدمة في إنتاج الفكاهة، الناتج: أي العمل الفكاهي الذي أنتج ويجري تذوقه كالنكتة أو الكاريكاتير، الشخص: أي المتفكه بخصائصه الجسمية والعقلية والانفعالية وكذلك المتلقي للفكاهة، والأخيرة أهم نظريات الفكاهة وبالذات النكتة كما أظن، حيث استمعت في الفترة الماضية إلى نكتة لم ترق إلى واحدة من مراتب الضحك أكثر من الابتسام، ولكنني استمعت إليها من صديق يملك السيطرة الكاملة على الحس الدرامي بما يملكه من قدرة عجيبة على الإبداع والخيال والتعبير البارع، تقول النكتة: سأل المذيع راقصة وممثلة مشهورة لماذا لم تمارسي الغناء؟ فقالت: أعوذ بالله كيف أغني وصوت المرأة عورة؟ إن إخراجه لتلك النكتة جعلني أدخل مرتبة "الزهزقة" كما تقول العرب، ترى هل كل الضاحكين في الحياة هم سعداء فعلاً؟ أم أنهم يمارسون الهروب والتنفيس ويرتدون الأقنعة تحت وطأة المكبوتات وانجراح الذات كبعض الطيور التي تغني وهي تحتضر.