التفاوت في المستوى الاجتماعي والاقتصادي بين أفراد المجتمع لا يعد مشكلة في حد ذاته، فالله سبحانه وتعالى فضّل بعضنا على بعض في الرزق ورفع بعضنا فوق بعض درجات، ولو كان الناس طبقة واحدة لبقيت أعمال كثيرة لا تجد من يقوم بها وتعطلت مصالح المجتمع، إلا أن وجود هذه الطبقات وحجمها والفروق بينها ينبغي أن يكون بشكل متوازن حتى لا يدخل المجتمع في حالة من الصراع.

فالمجتمع المثالي لا يمكن أن يعيش ويستمر بأمن اجتماعي بوجود طبقة من الأغنياء وأخرى من الفقراء فقط، فلا بد من وجود طبقة وسطى في كل مجتمع تحفظ التوازن بين الأغنياء والفقراء وتكون بمثابة الدرع الواقي وصمام الأمان وربما تكون بمثابة المنطقة العازلة التي تمنع التفاوت الاجتماعي. والطبقة الوسطى في وضع المجتمع المثالي يفترض أن تضم العدد الأكبر من أفراد المجتمع ربما يصل إلى 70% أو 80% من إجمالي السكان وهي الطبقة التي تحفظ توازن المجتمع وتمثل العاملين من جميع المهن والتخصصات وتقوم بالكثير من الأعمال وتكون قادرة على تحريك عجلة الاقتصاد في كل مجالاته.

وعلى الرغم من عدم وجود معالم واضحة ترسم الفروق بين الناس، إلا أن المتأمل في حال المجتمع السعودي في الفترة الأخيرة يرى مؤشرات وتحولات وربما ينتج عنها تراجع في أعداد المنتمين للطبقة أو الطبقات الوسطى. فالأزمات الاقتصادية التي مر بها المجتمع السعودي وفي مقدمتها أزمة سوق الأسهم عام 2006 والأزمة المالية العالمية عام 2008 والارتفاع السريع للمعيشة وارتفاع أسعار الأراضي إلى أرقام فلكية تشكل مؤشرات سلبية.

ويأتي ذلك متزامنا مع كثرة عدد أفراد الأسرة السعودية وضعف مشاركة المرأة في اقتصاد الأسرة واعتماد الأسرة على الرجل فقط وتحول كماليات الأمس إلى ضرورات وأساسيات وارتفاع فوائد البنوك على القروض الشخصية وغياب كامل لثقافة الادخار، جميعها عوامل أدت إلى تدهور أوضاع الطبقة الوسطى بكل تأكيد. إن بداية انحسار الطبقة الوسطى هو مؤشر على إمكانية اختفائها بمرور الوقت، وهو أمر لا يزال مستبعدا في مجتمعنا السعودي الذي وهبه الله نعما كثيرة منها البترول والغاز الطبيعي والمعادن والتنوع الجغرافي ووجود الحرمين الشريفين ووجود قيادة حكيمة قدمت الكثير للجميع مثل مجانية التعليم والعلاج وتقديم مكافأة لطلاب المرحلة الجامعية ودعم لبعض السلع الأساسية ودعم أسعار البنزين ودعم صندوق التنمية العقاري وصندوق التسليف وإعانة البطالة وإعانة المزارعين كلها مؤشرات إيجابية تدعم المحافظة على الطبقات الوسطى.

المجتمع السعودي اليوم، يحتاج إلى حماية الطبقة الوسطى أكثر من ذي قبل والتأكد من المحافظة عليها، وهي حالة لا يزال المجتمع السعودي يستطيعها في الوقت الحاضر بشرط التركيز على التنمية المتوازنة بين الجانبين المادي والبشري، ووضع بعض القيود التشريعية على طبقة الأغنياء والتجار ورجال الأعمال وضمان عدم الاحتكار بكل أشكاله وتعزيز الشفافية وتطبيق المحاسبية ومحاربة الفساد المالي والإداري ودعم توطين وسعودة الوظائف ومحاربة التستر بدون تهاون والتأكد أن قنوات التنمية تصل إلى المستهدفين. إضافة إلى ذلك ينبغي إعادة النظر في بعض جوانب التنمية غير المتوازنة المتمثلة في التركيز والإنفاق بأرقام فلكية في الجانب المادي كما هو حال المشروعات الخرسانية الضخمة التي تتجاوز الاحتياج الفعلي ولا تضيف عائدا ملموسا على مشروع التنمية الحقيقي الذي يفترض أن يتجه إلى التنمية البشرية والاستثمار في رأس المال البشري والاستثمار في العقول بصفتها منجما لا ينضب وقيمة مضافة إلى الاقتصاد، ويشكل برنامج الملك عبدالله للابتعاث نموذجا ناجحا لهذا النوع من التنمية المطلوبة.

وختاما؛ فالحديث عن الطبقات الوسطى لا يعني عدم الإشارة إلى ضرورة الاهتمام بطبقة الفقراء وتقديم الدعم المباشر لجميع البرامج الموجهة لمساعدة هذه الفئة بشكل خاص.