تولى الرئيس الأميركي روزفلت رئاسة الولايات المتحدة عندما كان الكساد يسيطر على الاقتصاد في عام 1932، في تلك الأيام العصيبة قال جملته الشهيرة "يجب ألا نخاف إلا من الخوف نفسه". مواجهة الخوف هي الوسيلة الوحيدة للتغلب عليه. الهروب أو التهرب أو التناسي أو التفادي يساهم فقط في تفاقم المشاكل، فتأتي لتؤرقنا في المستقبل، إنما بحجم أكبر ومفعول أخطر.
تنطبق مقولة روزفلت على المحاضرة التي كسبت نجومية في اليوتيوب والمجالس والنقاشات في الساحة السياسية والأمنية والاجتماعية. محاضرة الفريق ضاحي خلفان قائد شرطة دبي، عن المخاطر التي تواجهها دول مجلس التعاون كانت صريحة وجريئة لدرجة جعلت البعض يغادرون القاعة احتجاجاً. حظيت المحاضرة على اليوتيوب بأكثر من 300 ألف مشاهدة رغم أن مدتها تجاوزت الأربعين دقيقة.
تميزت هذه المحاضرة بالصراحة والمواجهة والقوة التي كانت مفرطة في بعض المواقع، وتسمية الأشياء بمسمياتها.
مواجهة كهذه لا بد أن تؤثر على نظرة المختصين في المنطقة، لأن المحاضر تمكن من ربط مجموعة من الحقائق السياسية والتاريخية والاقتصادية، بطريقة منطقية، ليعطي رؤية أكثر وضوحاً ودقة لما يجري حسبما يراه.
الصراحة والمواجهة مهمتان في التعامل مع المخاطر.
أوافق الفريق ضاحي في أغلب المخاوف والتهديدات التي تواجه المنطقة، لكنني تمنيت عليه أن يربط الحقائق ببعضها ويضع التهديدات بناء على منهجية واضحة. سرد المحاضر المخاوف والتهديدات دون ترتيب أو تصنيف أو تجميع أو ربط محدد سواء حسب نوعها أو خطورتها، والمعلوم أن ذهن المتلقي يعتمد في الاستيعاب على التصنيف ودقته.
تمنيت على المحاضر أن يبدأ بالتهديدات التي تتعلق بالوحدة الوطنية، وتقوية الجبهة الداخلية، التي قوامها الاهتمام بمطالب واحتياجات المواطن لأنها الأهم. وجود تلك التهديدات في الجزء الأخير من المحاضرة قد يجعل بعض المتلقين يرون أنها أقل أهمية من العناصر الأخرى.
يلي ذلك في الأهمية الاتحاد الخليجي الذي أصبح ضرورة وليس ترفاً. هذه الدول تستهدفها مجموعة من المخاطر والتهديدات، ولن يحميها سوى اتحاد قوي ليس فيه حلقة ضعيفة. يجب أن تتوحد السياسة الخارجية لدول المجلس كمرحلة أولى. يمنع أن تغرد دولة خارج السرب، بل ويمكن أن تكون لنا وزارة خارجية وسياسة خارجية واحدة. لأن شذوذ أي دولة عن المجموعة ضار على المجموعة ككل. تأتي وحدة السياسة الإعلامية والاقتصادية والاجتماعية كمراحل لاحقة.
العنصر الثالث المهم هو وضع المخاوف من إيران في موقعها الصحيح. الخطر الإيراني، سواء كان بالتآمر مع جهات أخرى، أو بهدف الابتزاز أو تصدير الثورة أو التوسع غرب الخليج العربي. هذا هو الخطر الخارجي الأهم الذي يجب أن تتعامل معه الدول الخليجية فوراً وتوجد له الحلول العملية. يجب أن توحد هذه الدول سياستها تجاه إيران، ويمنع وجود أي ثغرة يمكن أن تدخل من خلالها الأيادي الإيرانية لنشر الفرقة بين المواطنين أو بين الدول.
أنهى الفريق ضاحي المحاضرة دون تقديم حلول أو تلخيص أو جمع للمعلومات في تصنيفات محددة يمكن من خلالها تضييق هذه المحاذير في مجموعات يمكن تبنيها والتعامل معها بشكل علمي. قد يكون ذلك مقصوداً، لكن وجود ثمانية وثلاثين تهديداً دون تصنيف في خمسة أو ستة محاور أفقد المحاضرة فرصة سهولة الاستيعاب.
على اتفاقي مع الفريق ضاحي في جُل إن لم يكن كُل ما قاله، تبقى نقطتان اختلف معه فيهما، الأولى: الاعتقاد الذي تبناه وهو أن أميركا خلف جميع الثورات التي سادت الدول العربية خلال العام الماضي. أرى أن الولايات المتحدة والعالم الغربي كانوا يجدون في الأنظمة السابقة حلفاء، ولم يكن من مصلحتهم أن يتخلصوا منها. في اعتقادي أن الولايات المتحدة وحلفاءها كانوا أكثر ذكاءً، حيث تعاطفوا مع هذه الثورات عندما علموا أنها ستنجح، فضمنوا لأنفسهم موطئ قدم لما بعد الثورات، وهذا من فوائد مواجهة التهديدات بواقعية وشفافية.
الاختلاف الآخر هو في قضية تسييس الإعلام. يرى الفريق ضاحي أنه يجب ألا يُسيَّس الإعلام، وهذه الرؤية مختلفة عما هو حاصل اليوم، فكل قنوات العالم تعمل وفق المصالح السياسية لدولها. يكفي أن تشاهد قناة العالم أو المنار أو حتى "سي إن إن" لتكتشف أن الإعلام يعمل لصالح رؤية وسياسة الدولة. قد يكون المحاضر قصد استخدام الإعلام للإضرار بدولة من دول المجلس، وهذا يعيدنا إلى أهمية الوحدة واعتبار جميع الدول دولة واحدة والإضرار بمصالح أي منها يعتبر خطاً أحمر. أما التسييس فهو تحصيل حاصل ولا يمكن أن نسيطر عليه. قد يكون من المهم التنويه هنا بأنه لا بد من الابتعاد عن النرجسية في الإعلام وممارسة التجرد المخل بمصالح الوطن.
حققت هذه المحاضرة تقدماً كبيراً في مواجهة المخاوف بقوة والبعد عن التسييس، وهي تستحق أن يدرسها المختصون في الأمانة العامة لمجلس التعاون، بغرض وضع مقترحات واضحة وصريحة ليتم إعادة بناء اللحمة الوطنية لدول المجلس، وحمايتها من العواصف التي تتهددها.