إنها أكبر شركة نفط عالمية، يمتد تاريخها إلى بداية ثلاثينيات القرن الماضي، بدأت عربية-أمريكية وانتهت سعودية بعد أكثر من نصف قرن على تأسيسها. وما زالت تحتل نصيب الأسد في إدارة أكبر بقعة نفط في العالم. الغريب أنها حين كانت ذات شراكة أمريكية، كانت تقوم بدور ريادي في خدمة المجتمع السعودي من خلال الأعمال التطوعية التي تقوم بها، كإنشاء المدارس والطرق، وربما هذا نتيجة إحساس بالذنب أكثر منه إحساس بالمسؤولية؛ لأن أعمال (أرامكو) ليست بريئة من تلويث البيئة بشكل، فصناعة النفط مكلفة على المستوى الإنساني أيضاً؛ لذا كانت الشركة العملاقة تقدم للمجتمع مقابلاً عما تفعله بالإنسان والبيئة، ولا سيما حين كانت حاجات المجتمع لا تتعدى مبنى مدرسياً أو طريقاً زراعياً.
ازدادت حاجات المجتمع اليوم، ولكن تقلصت مساهمة أرامكو تجاه مجتمعها، فلم تعد كما هي في السابق، حين كانت مساهماتها لا تتجاوز المناطق الرئيسية في المنطقة الشرقية، أما باقي المناطق-حتى تلك التي فيها أعمال لأرامكو- فلا تكاد تعرف من هذه الشركة سوى اسمها البرّاق!
إن إمكانات أرامكو كبيرة، وعلى الرغم من أن ميزانيتها غير معلنة بالنسبة للمواطنين، إلا أن المواطن يعلم حجم المصروفات والعائدات من جهة، ويعلم أيضاً حجم المساهمات الدعائية التي تحاول أرامكو تضخيمها من جهة أخرى بطريقة الإعلام الموجه (بروباجندا) على أنها إسهامات اجتماعية معتبرة، كحملات تنظيف الشواطئ، وتوزيع بروشورات التوعية بالسلامة، أو التوعية بمرض السرطان (لا معالجته) وحماية البيئة وسباقات الجري الخيرية، وفرق السباحة، وكرة الطائرة والقدم!
هذه الإسهامات أظنها مطلوبة، لكنها بسيطة مقارنة بجحم أعمال شركة أرامكو وعائداتها، فمثل هذه الأعمال يمكن أن تقوم أصغر المؤسسات، وربما يستطيع أن يقوم بها عدة أشخاص تطوعاً، فهي سهلة ويسيرة التكلفة ولا تحتاج إلى جهد كبير، لأن النظرة تجاه أرامكو السعودية في أعمال خدمة المجتمع هي أكبر بكثير من دعايات الشركة التي تطل برأسها علينا على صفحات صحفنا المحلية بين فترة وأخرى لإعلان عن حدث أو مؤتمر أو مشروع، أو حتى لتقديم تهنئة للوطن بمناسبة يومه الوطني!
وهذا مما يوحي بأن الأمر مجرد عملية إعلانية/دعائية، ولا توجد أعمال على أرض الواقع تمس المواطن الذي هو بحاجة لأن يشعر أنه مقدر في وطنه كإنسان له حقوق وعليه واجبات، وله أيضا حقوق معنوية يفترض أن يشعر بها، ولا سيما أن أرامكو التزمت في موقعها الإلكتروني بـ"رد الجميل "و "مد يد العون".
ومن هذا الجميل أن يشعر المواطن بأن خدمة المجتمع منوطة بمؤسسات المجتمع من حوله، سواء القطاع الحكومي أوالخاص، كالتزام وطني واجتماعي تجاه الإنسان في هذا البلد، وشركة أرامكو السعودية ليست في حل من هذا الالتزام الوطني العام، حيث يجب أن تتجه إلى التركيز الحقيقي على (خدمة المجتمع السعودي)، على أساس المساواة بين المناطق بعدم التفريق بين منطقة وأخرى من جهة، ومن جهة أخرى تطبيقاً لفرضية أن المجتمع ككل يسهم بتدوير الاقتصاد وصناعته، ولا سيما أن نسبة السعودة في شركة أرامكو السعودية تصل إلى 95% وبالتأكيد أن هؤلاء المواطنين ينتمون إلى مناطق متفرقة من المملكة في جميع قطاعاتها وأعمالها، وبالتالي لمدنهم ومناطقهم التي ينحدرون منها حق في الشعور بالاتصال والتواصل من خلال إسهامات شركتهم تلك، إلا أنه مع الأسف الشديد، اتجهت جهود الشركة خارج الحدود، ومن ذلك بناء مساكن لبعض المواطنين الأمريكيين الذين تضرروا في إعصار كاترينا قبل عدة سنوات، وهذه مفارقة عجيبة، وخاصة أن الشركة الأكبر استثماراً داخل وخارج البلد لا تدفع الضرائب داخلياً مقابل أعمالها واستثماراتها النفطية، وبالتالي يجب أن تكون إسهاماتها على قدر ما يجب أن تتحمله من مسؤولية اجتماعية تجاه المواطن السعودي.
أما في الشأن الاجتماعي الثقافي، فقد عزفت أرامكو مطولاً على أوتار "مركز الملك عبدالعزيز للإثراء المعرفي" الذي وضع حجر أساسه الملك عبدالله بن عبدالعزيز في احتفالية الشركة بمناسبة الذكرى الخامسة والسبعين لتأسيسها، وتم تأسيس المركز بالقرب من (بئر النفط رقم 7) أول بئر تدفق منها النفط السعودي تجارياً إلى العالم، على أن يفتتح عمله في 2011، إلا أن الموعد المحدد تأخر فتم تبديل مسماه إلى (مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي)، وقد أعلنت شركة أرامكو في سبتمبر 2010 أنها بدأت الأعمال التنفيذية في مشروعها العملاق، حيث قامت بصب أساساته الخرسانية، وأرست مجموعة مناقصات على شركات محلية وعالمية لتنفيذه، وصرّح نائب الرئيس الأعلى للشؤون الصناعية بأرامكو عبدالعزيز الخيال أن موعد افتتاح مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي، سيكون الساعة 12 من اليوم 12 من شهر 12 من عام 2012، وما زال انتظار الوعد.
وقد أكدت أرامكو أن مبادرتها هذه هي إحدى "مبادرات أرامكو السعودية التي تعكس التزامها القويّ والدائم بمسؤولياتها تجاه المجتمع" كإطلاق برنامج المكتبات المتنقلة والمسابقات السنوية لرسوم الأطفال! لكن الذي أتمناه ألا تعيش أرامكو على أمجاد مضت فالحاجة للمكتبة المتنقلة تكاد أن تنتفي في عصر الانفجار المعلوماتي الهائل، أما المسابقات السنوية لرسوم الأطفال فأقرب مجتمع تجاري إلى منزل أحدنا يقيم هذه المسابقة دورياً! وعود إلى مركز الملك عبدالعزيز الذي أنشأته أرامكو على أساس أنه استثمار جوهري سوف يسهم "في بناء مستقبل المملكة العربية السعودية والعالم" إلا أنه ما زال في طور البناء كمشروع ولم يكتمل بعد، وكان من الأجدر أن تبتعد الشركة عن الحديث عن هذا المركز في إطار البروباجندا الإعلامية، كي لا يفاجأ الجمهور بأن مقاطع الفيديو المنشورة عن المركز والمحتوي على رسومات افتراضية متحركة يصاحبها الارتباك في على أرض الواقع، على الرغم من توقيع المركز لمذكرة تفاهم مع مكتبة الملك عبدالعزيز العامة، حيث أكد مديره فؤاد الذرمان أن التعاون عبر هذه المذكرة قد "بدأ فعلياً بترجمة 20 قصة وطباعة 100 ألف نسخة باللغة العربية من أدب الطفل العالمي من ثقافات متنوعة"! والسؤال الملح هو: وماذا بعد يا "أرامكو"؟ المجتمع السعودي ينتظر الكثير من الأفعال.