من التناقض بمكان أن يبدأ ممثل سورية في مجلس الأمن مرافعته بالاستشهاد بأبيات شاعر مثل نزار قباني، ينسبه إلى دمشق.. وهو ذلك النظام الذي هجر هذه الثروة العربية. وكلنا يعرف أن نزار قباني كان طريد الفيافي والمنافي منذ أن ابتدأ رسالة الشعر، وكانت تهمة الشعر هي مقصلة البعث التي وضعها على رقبته.

وكل هذا لا يهم، ما يهمني في الأمر أن الأمة العربية باتت ضيفاً بمشاكلها على مجلس الأمن، حتى أصبح مجلس الأمن في هذا العام الأخير مجرد مداولات مختلفة لما يحدث في هذا العالم العربي، حتى أصبح العرب نشازاً على هذه الخريطة الكونية.

صرنا لا نخجل من أنفسنا ونحن حديث هذا العالم ونشرة أخباره. وصرنا لا نكترث بجنائز القتل اليومي التي أصبحت ماركة عربية مسجلة. صرنا على هذه الخريطة عالما يعيش في العصر البدائي بينما يحتفل هذا العالم في القرن الحادي والعشرين باحترام معايير وحقوق الإنسان. وصار هذا العالم البعيد عنا بقرون ضوئية يتحدث عن الحل التقني ونحن ما زلنا في مربع الحديث عن الحل الأمني. أصبح المواطن العربي لدى هذه الأنظمة مجرد عبء لا إضافة، وأصبح مثلما كان لا يمثل قيمة إنسانية، حتى ولو في الحد الأدنى لمعايير حقوق الإنسان.

والواقع أنني استمعت ما قبل البارحة إلى خطب وزراء خارجية هذه الأرض، الذين تقاطروا إلى مجلس الأمن من جديد مع مشكلة عربية جديدة، وكل ما استمعت إليه من الجانب السوري ومن الممثل السوري ليس إلا ما قاله نزار نفسه حين يقول:

لا تستمع يوماً إلى خطابات العرب فكلها نحو وصرف وأدب

وليس في معاجم الأقوام قوم اسمهم عرب..

هذا ما كان على الممثل السوري في الأمم المتحدة أن يقوله نقلاً عن نزار، لأن العرب اليوم لم يصبحوا أمة منقرضة فحسب، بل أصبحوا بمثل هذه الممارسات خطراً على الإنسانية جمعاء. ولعله بهذا هاجم ممثل سورية في مجلس الأمن دول الخليج، وبدأ يمنُّ عليها مواقف هلامية لا علاقة لها بعالم اليوم الحديث، لسبب بسيط، لأن دول الخليج، وعلى الأقل، احترمت قيمة الإنسان، وأدركت أن قيمة الإنسان اليوم هي في الحل التقني لا في الحل الأمني، ولأن دول الخليج على الأقل، مرة أخرى، كانت نشازاً في هذه المنظومة العربية وهي تخترع هذه الأنظمة الأبوية ما بين الحاكم والمحكوم وسط أنظمة أمنية قمعية.

قدر الخليج أن يعيش في هذه المنظومة في الإرث والجغرافيا والتاريخ.