لم تُمنح جائزة نوبل في الأدب أبداً لسياسي إلا لصاحب عمل إبداعي، وكذلك جائزة الملك فيصل العالمية في الأدب، وجائزة الشيخ زايد للكتاب وجوائز بوكر ونيوستاد وغونكور ورينودو وبوليتزر وغيرها من الجوائز الدولية لم يحرزها إلا مبدعون.. وحدها جائزة اتحاد كتاب روسيا هذا العام تنحرف عن المسار فتذهب إلى سياسي هو الرئيس السوري لسبب واضح لا يخفى على أي متابع للسياسة الروسية يتمثل في أن منح الجائزة يتماشى مع موقف النظام من الأحداث والاضطرابات في سورية. ولو سأل أيُّ شخص عن مبررات وحيثيات الفوز لما وجد إجابة مقنعة، ما يعني أن اتحاد كتاب روسيا لا يتجاوز كونه بوقاً وذيلا لسلطة استبدادية خاضعاً لإملاءاتها، شأنه في ذلك شأن كثير من اتحادات الكتاب العربية قبل أن يهز دولها "الربيع".
إن كانت الجائزة ستنحرف عن مسارها، فمَنْ أولى بها في هذه الحالة؟ سياسيٌّ يصر مع من حوله على العيش خارج الزمن، أم شباب يريدون لبلادهم أن تدخل العصر؟
أولئك الشباب كلهم "أحمد" الذي أحببته منذ عرفته صغيرا وقربني "الفيس بوك" منه كثيرا حين كبر.. "أحمد" لم يكمل العقد الثاني من العمر، لكن زنزانتهم لا تعرف الأعمار، إذ حشروا فيها زهوراً تفتحت وأدركت أن معادلة التغيير تحتاج من يدفع ضريبتها، فكانت المواجهة:
"أحمد" كالنبض سرى في أوردة الأرض وهامْ
بالعشق يسامرها.. بالدفءِ يناجي النهرَ
يحلّق مثل الطيرِ
يجوبُ فضاءات الشامْ
"أحمد" صار "هناك" يزيل الليلَ
يمازجُ باللوحات الضوءَ
ويرسمُ تكويناً يهديهِ إلى وطنِ الأحلامْ
ها.. وطنٌ يرتسم كلوحة عشقٍ تتماوج في عينيهِ
يسافر "أحمد" في خلجات اللونِ
ليمنحَها يوم ولادتها خاصرةً من جنبيهِ
ويروي الفرشاةَ بأنفاسٍ من رئة القضبانِ
ومن شفتيه يساقي الأرضَ
ويزرع بالكفين سلامْ
ثمة "أحمد" عاد، وهناك "أحمد" لم يعد بعد.. والـ"سمير" في المساءات كم واساه الأحبة، إذ اختصرت مواقع التواصل المسافات.. أما عشاق الحرية فمقطوعون عن العالم، يتواصلون مع قضبان وسجانين.. وكأني بلسان حال كل "أحمد" يقول لمانحي الجائزة: هل كنتم تعطونها لـ"بوتينكم" وميدفيديفكم" لو بطش رجالاتهم بشعبكم وأودعوا أبناءكم السجون؟
أمام ذلك المشهد أتخيل تولستوي وبوشكين وتشيخوف وغوركي وحمزاتوف والآخرين ممن كتبوا عن الأرض والشعب والوطن وقد أوجعتهم اللغة التي كتبوا بها، لأن اتحاد كتابهم - وليس كل كتابهم - لم يفهم القيم السامية التي تبني بها الشعوب أوطانها الحقيقية على أراضيها.