في الفترة الماضية كانت أزمة الشعير هي حديث المجالس، ومحل اهتمام المسؤولين، وكان الأفراد المحتاجون للشعير من أصحاب المواشي يقضون الساعات بل ينام بعضهم في طابور الانتظار للحصول على عدد من الأكياس عند وصول ناقلة الشعير، وكان زبائن الأسمنت لا يعانون من الأزمة نفسها لوفرة الأسمنت في أماكن البيع في ذلك الوقت، ويشترون ما يحتاجونه من الأسمنت، ويعطف زبائن الأسمنت على زبائن الشعير لمعاناتهم من طول الانتظار، ونتيجة الانتظار هي الحصول على عدد محدود من أكياس الشعير، وقد لا يحصلون بعد الانتظار الطويل، وفي هذه الأيام ظهرت على الساحة أزمة الأسمنت التي تتكرر كل عام، وأصبح الشعير متوافرا بكميات كبيرة وهو مستورد من الخارج، والأسمنت الذي ينتج محليا تتكرر أزمته كل سنة ولعدة سنوات ماضية بدون أن نعرف المتسبب الحقيقي، وفي هذه الأيام يعطف زبائن الشعير على الواقفين في طوابير الأسمنت عندما يمرون عليهم للحصول على ما يريدونه من الشعير، وأتمنى ألا يكون الدور عليهم في أزمة أخرى للشعير.
والكل يسأل عن المتسبب في أزمة الأسمنت التي أصبحت عادة سنوية، فمصانع الأسمنت تتبرأ من أن تكون هي السبب في حدوث هذه الأزمة بعد أن تصرح بأن هناك نقصا في كميات الوقود التي تحتاجها المصانع، وفي اليوم التالي تصرح شركة أرامكو بأن الوقود متوافر حسب الكميات المحتاجة، وليست هي السبب في هذه الأزمة، وفي اليوم التالي يصرح مسؤول آخر في مصانع الأسمنت بأن المتسبب في هذه الأزمة هم الموزعون، وليس للمصانع دور في ذلك، والمستهلك في ضوء ذلك حائر لا يعرف من المتسبب الحقيقي وراء ذلك؟
ولعله من المناسب أن نذكر جانبا مهما في هذه الأزمة وهو أن المملكة تشهد حركة بناء، ومشروعات عملاقة غير مسبوقة في مختلف المناطق، ولذلك فإن الطلب على الأسمنت سيكون كبيرا، ومع ذلك فالمصانع متوقع منها أن تضاعف إنتاجها لتواجه الطلب المتزايد على الأسمنت؛ لأن استمرار الإنتاج بالمعدل العادي سيؤثر على انتهاء المشروعات الحيوية التي يترقبها المواطن من طرق، ومستشفيات، ومدارس، وجامعات، وغيرها من المشروعات الخدمية، كما سيؤثر على المشروعات الاستثمارية, والشخصية، وفي حالة عدم زيادة كميات الإنتاج ستكون مصانع الأسمنت طرفا رئيسا في الأزمة.
والأزمة في الأسمنت صاحبتها أزمة عند مصانع البلك الخرساني، وعند مؤسسات الخرسانة الجاهزة، حيث تم رفع الأسعار بحجة أن الأسمنت ارتفع سعره بينما المصانع تقول إن سعره ثابت لم يتغير، فلماذا هذه الزيادة غير المبررة؟ والمواطن هو الضحية، وقد يكون السبب الرئيس في وجود الأزمة مفتعل من قبل الموزعين الذين يحتكرون السوق – إذا كانت كمية الإنتاج في المصانع لم تتغير، ولم يكن هناك زيادة في سعر الكيس من قبل المصنع - من خلال التحكم في عدد السيارات التي ترسل لسوق الأسمنت، وبذلك يقل العرض، ويزيد الطلب والسعر في الوقت نفسه، وهنا أرى أن وزارة التجارة مطالبة بإيجاد آلية محددة للتعامل مع مثل هذه الحالات، ويصدر بها تنظيم واضح، ويترتب عليه غرامات مالية، ومحاسبة للمتسبب في الأزمة، وللأسف تمر هذه الأزمة كل سنة ولعدة سنوات، ولم تستفد الجهات المعنية من هذه التجارب، ولم تعمل على إيجاد طرق فاعلة، وناجعة للتعامل معها بما يحفظ حقوق الجميع، فلابد أن يكون هناك خطط بديلة في مثل هذه الحالات، ولا يترك الأمر للموزعين الذين يقيمون سوقا سوداء للأسمنت في أماكن بعيدة عن أنظار الجهات الرقابية، فيتم البيع بالأسعار التي يحددونها هم، كما أنه في سوق الأسمنت يباع الكيس الواحد بسعرين في اليوم الواحد ففي وجود الجهات الأمنية والرقابية التي تشرف على توزيع وبيع الأسمنت يباع بالسعر المحدد، وفي حال غياب الرقابة، أو في الليل يقفز السعر إلى أرقام خيالية حيث وصل سعر الكيس في بعض الأماكن إلى 40 ريالا، وسعر الشراء من المصنع أو التكلفة الحقيقية لا تتعدى 13 ريالا، وهذا المكسب الخيالي قد يشجع التجار، والموزعين للأسمنت على تكرار الأزمة للحصول على مكاسب من وراء هذه الأزمات.
وفي الختام أتساءل عن إمكانية تسويق منتجات الأسمنت مباشرة عن طريق المصانع، فبما أنها قادرة على التصنيع وإنشاء مصانع كبيرة، وفروع لها فهي أقدر على أن تتولى تسويق منتجاتها بالشكل المناسب من خلال إدارات تسويق نشطة تتولى ذلك، وتعمل على إيجاد فرص عمل للشباب من خلال ذلك، وبذلك نقضي على مسبب رئيس من مسببات أزمة الأسمنت إذا لم تكن المصانع هي السبب فيها.