رواية فتنة للروائية الإماراتية أميرة القحطاني،عمل ممتع منذ البدء حتى الانتهاء، ويمكن أن تكون المتعة عائدة إلى غير سبب، بيد أن أماكن الأحداث، ربما تكون السبب الرئيس في تلك المتعة؛ ذلك أن لتلك الأماكن إيحاءاتها الجمالية، وأخص ما كان من الأحداث في مكة أو أبها، إذ يظهر الطابع النفسي من خلال إيحاء المكان بأحاسيس خاصة, وهو ما يُلمَح -عادة- في القصص النفسية.

لتكن أبها مثالا؛ تقول عنها: "لم يكن الطريق إلى أبها طويلا وقد كان ممتعا. كنتُ كمن يسير باتجاه الجنة وكان يخالجني شعور غريب لا أستطيع نقله لكم كما هو بالضّبْط. كنتُ أشعرُ وكأنني أطير بين السماء والأرض وكانت رائحة دهن العود تملأ أنفي كلّما اقتَرَبتُ منها...". "....فعلا كانت زيارة ممتعة جميلة كجمال أبها الذي لا يضاهي جماله شيءٌ في هذه الدنيا. وبالرغم من برودتها إلا أنها كانت دافئة ولم يكن يشعر بهذا الدفء أحد غيري...."، فأبها الباردة تتحوّل عند "فتنة" إلى مكان دافئ, وهو دفءٌ وهمي في واقعه, حقيقي في تحسّسه. وكثيرا ما تعمد الكاتبة إلى التعامل مع الأماكن بشكل خاص فلا تهتمُّ منها بصورتها التفصيليّة المادية الخارجية المعلومة جغرافيا, أو مسحيّا كما يفعل الواقعيون في العادة, وإنما هي تقّدم لنا المكان كما هو في باطن الشخصيّة, وكما هو في باطن الراوي, حتى إنَّ رائحةَ دهن العود تملأ أنفها كلما اقتربتْ من أبها! ودهن العود-في الواقع-ليس مرتبطاً بأبها, لكنها أرادت ذلك. ولو أنها قالت: رائحة العسل, أو السمن, أو المطر, أو أشجار العرعر لما تجاوزت الواقع, ولما قدّمت المكان إلا تقديما معرفيا يتمثل في تقديم معطيات البيئة أو عناصرها دون أن تشعر الشخصيّة تجاهها بشيء, وهذا ما أعنيه عندالتأكيد على أنّ الجمال, والتأثر الفنّي يكمنان في تقديم المكان لا كما هو في حقيقته وإنما كما تتمثّلُه الشخصية وتشعر به.

إن هذه الإلماحة السردية في "فتنة"، تسهم في إبراز مشاعر البطلة؛ وذلك من خلال أبها التي تقدمها كما تريدها مشاعرها، لا كما هي في واقعها, وهو ما يكثر عند الرومانسيين حين يذكرون الأماكن ذكراً لا يقدم صورتها الفوتغرافية الواقعية، وإنما يقدمها وكأنها لوحة تشكيلية تجريدية, حتى صار الحضور الفجائي للمكان معاضدا لاستبطان الشخصيّة, لنكون أمام تعاملٍ خاص مع المكان لا تهمُّنا منه صورتُه الماديّةُ الخارجيّة، بل صداه في باطن الشخصية, فلمْ تَرِدْ صورة أبها كما هي في حقيقتها الباردة، وإنما تماوجتْ ملامحها كما تتمثّلُها"فتنة" وتحسُّ بها, وكأنها الطبيعة التي وصفها هيكل في رواية "زينب" بأنها: "أشرف بقاع الأرض حيث السعادة والهناء المقيم".