"أكره التسامح" هكذا أعلنها، على موال الزميل الكاتب أحمد عدنان في "تويتر"، الذي يباغتنا بين حين وآخر معلنا وإن كان مازحا "أكره كذا.. وأكره كذا" وهي فلسفة نفسية مضمرة ذكية التقطها الزميل العزيز، أما كرهي لـ"التسامح" وإن كان يناقض بعض الشيء ما قاله القائد السياسي الهندي المهاتما غاندي "لا أحب كلمة التسامح ولكن لا أجد أفضل منها" إلا أني أجد ما هو أفضل منها وهو "التعايش" وتأسيس مبدئه، لماذا أقول ذلك!؟ لأنها ككلمة كنا وما زلنا نرددها ونسمعها كثيرا مع محاولات التنظير للتقريب بين الأطياف المتباعدة والمتباينة والمختلفة فيما بينها داخل النسيج الاجتماعي، خاصة اليوم مع بناء الديمقراطية في بعض الدول العربية التي ثارت على أنظمتها السياسية، لأجل تحقيق العدالة الاجتماعية والحرية، فـ"التسامح" ـ من وجهة نظري ـ ما هو إلا محاولة لتحايل فكري لممارسة رياء اجتماعي يمارسه المختلفون مع بعضهم البعض، فهو فعل ظاهره يُعلن التقارب والتصالح، ولكن باطنه مضمرٌ يُعزز مسافة التباعد بين طرفين مختلفين ولا يعمل على التقارب أبدا، فكل الأطراف تؤمن بخطأ الآخر الفكري أو العقدي ولا تؤمن أن ذلك من باب الحرية التي تفرضها لغة الديمقراطية أساسا، وهنا يتحول مبدأ التسامح عند "الأكثرية/ الأقوى" فعل تفضل على "الأقلية/ الأضعف" بالحقوق التي تُستحق بالوطنية والمدنية، وهو فعل يعتريه نظرة فوقية نرجسية يمتلكها الأول، حين يشعر بأنه متفضل على الثاني كونه مركز القوة بالأغلبية، والثاني مركز الضعف لأنه أقلية، ما سيعزز عنده شعورا بالتمييز والدونية الاجتماعية، إذ تحولت حقوقه نتيجة ذلك إلى مُطالبات يتم التفضل بها عليه، ما يجعله متحفزا لأي فرصة كي ينال ويقتص من الآخر، وشيئا فشيئا يتحول فعل الأكثرية إلى استبداد وتسلط مع الأقلية التي لا يمثلها إلا قلة في صناديق الاقتراع، وبالتالي تغيب العدالة الاجتماعية ومعها الحرية، إلا أنّ كل ذلك لا يتحقق مع مبدأ "التعايش" الذي يساعد على ترويض الخلافات والصراعات بين الكتل المتباينة والمختلفة داخل المجتمع الواحد، إنه يُجبر كل الأطياف كتيارات وطوائف على أن يتعايشوا معا في ظلّ قوانين تفرض احترام اختلافاتهم واختياراتهم في حياة تُعززها المساواة والعدالة والحرية التي أيضا يفرضها ميزان القانون الوطني دون تمييز ودون تفضل أحد على الآخر، حيث تُعطى الحقوق وفق الاختلافات للجميع، ويؤدي الجميع واجباته في البناء الاجتماعي داخل اللحمة الوطنية.
أخيرا، أقول: لا أحبّ التسامح لأني أجد كلمة أفضل منها هي التعايش.