كشفت هبات الربيع العربي في تونس ومصر واليمن وسوريا عن حالة لافتة ومستفزة من العناد الصبياني تلبست رؤساء هذه الدول وأثارت في نفس الوقت استغراباً حول مدى خواء العقلية التي كانوا يديرون بها بلدانهم. فعلى عكس الطفل الصغير الذي يعيد حساباته عندما يرى أو يسمع تهديداً، لم يحاول أي أحد من رؤساء هذه الدول أن ( يحسبها صح ) ويستجيب لأول مطلب خرجت له شعوبهم. ومن أجل ذلك كلما زاد عناد هؤلاء، ارتفع سقف طلبات شعوبهم لسبب بسيط وهو أنهم لم يتحملوا الحاكم الذي يعاندهم ويطلق عليهم نيران مدافعه ويتعمد قتل الأطفال والنساء
في الحالة السورية تتكشف نتائج هذا العناد. فالرئيس بشار الأسد اليوم هو أشد ضعفاً وأصبح محاصراً عربياً ودولياً. وفي كل يوم تزداد وحشية جيشه وشبيحته للقتل، تزداد معه عزيمة السوريين على التخلص منه رغم أنه كان بإمكانه أن يتفادى كل ذلك منذ أول يوم بدأت فيه احتجاجات سكان مدينة درعا في مارس 2011 م . فلم يكتف العسكر بحصد أرواح المتظاهرين والزج بأفواج منهم في السجون بل تعمدوا إذلالهم والدعس على كرامتهم . وإمعاناً في ذلك قبضوا على ( الأطفال ) الأبرياء وألقوا بهم في السجون لأنهم تجرأوا على النظام وكتبوا كلمات الحرية على جدار المدارس وهذه التهمة تكفي هي الأخرى لفضح عقلية هذا النظام .
الوجه الثاني لنتائج هذا العناد هو خسارته للدول العربية التي هي الآن مجتمعة على كلمة واحدة تطلب من مجلس الأمن مساعدتها لإنهاء هذا النظام. فالمعروف أن جامعة الدول العربية تفكر عشرات المرات قبل التدخل في الشأن الداخلي لأي دولة. ولذلك أعطت نظام الأسد الوقت الكافي للإصلاح، إلا أنه قابل ذلك بالعداء والشتم والتخوين لأعضائها. ورغم أنه كان بإمكانه قلب الأوراق باصطناع وقف آلة القتل أثناء عمل المراقبين العرب، إلا أنه تعمد زيادة عدد القتلى وزاد من حصار المدن والقرى ونشر المدرعات فيها أكثر مما كان عليه قبل عمل المراقبين.
ربما لا يحتاج الأمر إلى تحليل الخبراء ليفسروا لنا هذه العقلية التي تجرأت على التحكم في شعب عريق كالشعب السوري الذي عرف عنه الإباء والإقدام منذ الفتوحات الإسلامية وخلال مقاومته للاستعمار. فأقرب تفسير لهذا العناد هو عقلية ( البلطجة ) فهو يعتمد على شبيحة يندسون بين السكان الآمنين لذبحهم ويعتمد على شبيحة في الإعلام ليندسوا بين المفكرين ويعتمد على شبيحة في المؤتمرات ليشتموا الدول وممثليها . ولعل أقرب مثال على هذه البلطجة تهديده بحرق المنطقة ! وهو الذي ظل طوال 30 عاماً لم يطلق رصاصة واحدة في أرض الجولان المحتلة .
الآن أفاق العالم على أنه لم يعد بالإمكان تحمل مزيد من الوقت لنظام لا يريد إلا البلطجة على شعبه وعلى الدول العربية والمجتمع الدولي . ومن أجل ذلك جاء تصريح الأمير سعود الفيصل أننا لسنا شهود زور على مايحدث في سوريا ليضع الجامعة العربية أمام مسؤوليتها التاريخية لكي تتعامل بحسم مع نظام يقتل شعبه.