في نشرة إحصائية نشرها معهد بروكينجز وأعاد نشرها بالعربية موقع "زوايا" المختص بأبحاث الشرق الأوسط، جاءت مدينة الرياض الأكثر نمواً في العالم بعد مدينة شانغهاي الصينية. أما مدينة جدة السعودية فقد أتت في المركز الثالث في القائمة التي تضم 200 مدينة في العالم.

نمت الرياض من حيث دخل الفرد بنسبة 7.8% وبنسبة 6.8% في توفير فرص العمل. أما جدة فقد نمت بنسبة 7% و 5.5% لنفس الإحصاءات. للعلم فقط جاءت كازا بلانكا في المرتبة 18، الكويت في المرتبة 44، أما العاصمة الإماراتية أبو ظبي فقد جاءت في المرتبة 127.

هذه أخبار جميلة من ناحية وخطيرة من ناحية أخرى. جمالها هو إيجابيات المؤشرات المذكورة وثقة الناس بما يحدث في عاصمتهم السياسية الرياض والتجارية جدة. أما خطورتها برأيي فتكمن في عدم استعدادنا المبكر لمثل هذا النمو الهائل. الأخطر أيضاً أن هذا النمو ربما أتى بسبب تركيزنا في المملكة على وجود الأنشطة التجارية في مدن معينة وإغفال الأخرى، الأمر الذي يدفع بالهجرة من مدن الأطراف إلى هذه المدن.

أعود إلى التحديات التي تواجه مثل هذا النمو لإيضاح الخطر المذكور. أبدأ بالكهرباء والماء. أما القصور في قدرة تحمل محطات الكهرباء فهذا من المقدور عليه، لأن الموضوع يتصل بتوسعة المحاطات وهذا جار على قدم وساق. الماء من الناحية الأخرى يشكل هاجساً لسكان هذه المدن لأنه من الموارد الطبيعية الشحيحة التي تدعو للقلق. فهل نحن مستعدون للترشيد أولاً وتوفير حاجة الناس من الماء؟ الأمر الآخر وسائل النقل العام.. جدة والرياض تئن تحت وطأة الزحام وفوضى السير مما يزيد من آثار هذا الزحام. من أهم أسباب ذلك غياب التخطيط السليم والمبكر لحاجة هذه المدن لوسائل نقل عام عصرية.. سبق أن سمعنا عن "مترو الرياض" لكن لم يحدث شيء حتى الآن، بينما لم أسمع عن مثل هذا البرنامج لمدينة جدة. أما وسائط النقل العام من منظومة باصات متقدمة فهذه في عداد الموتى بسبب سيطرة عدد قليل من ملاك "خط البلدة" والخوف من "قطع أرزاقهم". الضحية في المدينتين هو المواطن والمدن نفسها وما يعتري الطرق بها من ضرر بسبب هذا الارتباك.

هناك التنظيم أو غيابه في السير، وأعني بذلك غياب نظام المرور المتقدم واللائق بمثل هذه المدن. وفيما عدا مبادرة "ساهر" فإن قيادة السيارة تستمر كأكبر منغص لمزاج المواطن العاقل. فلا توجد مشكلة حتى الآن في التوقفات الخاطئة ولا توجد مخالفة عند المراوغات والتجاوز الخاطئ. لا توجد للمشاة حقوق معتبرة ولا يعرف السائق في المملكة عموماً ما سبب وجود خط أصفر على الأسفلت في بعض الأماكن. من هنا فقيادة السيارة على كتف الطريق السريع يعتبر أمراً مقبولاً مع الأسف رغم ما يشكله من خطورة!

جغرافياً الرياض بالذات تتمدد بشكل هائل وفي كل الاتجاهات ولا توجد حدود للمدينة.

في منطقة مدينة لوس أنجلس على سبيل المثال توجد مناطق وعناوين متعددة وإن كانت ضمن المدينة إلا أنها منظمة إدارياً. منطقة هوليوود تعتبر مدينة.. منطقة سانتا مونيكا وباسادينا وغيرها تعتبر مدنا مختلفة من حيث التنظيم والعناوين.. بإمكانك أن ترسل بريداً إلى من يسكن في باسادينا دون أن تضع اسم لوس أنجلس ضمن العنوان. تمنيت حقيقة لو أننا مضينا قدماً في برنامج المناطق الحضرية التي تم التخطيط لها قبل عشر سنوات. فمما سمعت كان هناك مخطط عن تقسيم الرياض إلى مناطق حضرية متعددة تحتوي كل منطقة على مجمع خاص بها يضم كافة المصالح الحكومية لخدمة هذه المناطق. تنظيم كهذا كان يفترض أن يرى النور اليوم لولا وجود عوائق لا أعلم عنها حقيقة، لكنها أوقفت تطبيقه على أرض الواقع.

اجتماعياً هناك الكثير من التحديات أيضاً. الرياض ذات الملايين الخمسة تفتقر إلى وسائل الترفيه ويغلب على أهلها نوع من التململ والضيق بسبب مبالغتنا الزائدة في فرض بعض الأعراف والتقاليد على عموم السكان. من هنا كانت مناشداتي السابقة بضرورة تقنين بعض الممارسات التي تؤدي إلى نشوء مثل هذه الأجواء الغامضة.. تقنين عمل هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مثلاً وتحديد مهامها قد يساعدنا في تجاوز بعض الإشكاليات المتعلقة بالترفيه العائلي، على أن الترفيه وتنمية السياحة في مدينة كبرى كالرياض لم يعد مجرد ترف أو إضافات بل هو ضرورة تفرضها الحاجة إلى تنوع اقتصاد المدينة، وخلق فرص عمل إضافية لاستيعاب العدد المتنامي من السعوديين الباحثين عن العمل. الانفتاح المنضبط المنشود قد يساعد أيضاً على الكثير من التحسن في دورة رأس المال في الداخل إذا أدخلنا في هذه المعادلة ظاهرة الفرار التي تتكرر في كل عطلة وإنفاق البلايين في الخارج بحثاً عن تغيير الأجواء، ولا أقصد هنا الطقس بل الأجواء الاجتماعية.

أختم بالانتباه مجدداً إلى هذه الظاهرة، أقصد النمو الكبير في هذه المدن وأحذر من أن إغفال مدن الأطراف من المشاريع التنموية الكبرى قد يدفع بالمزيد من الهجرة. هذه الهجرة التي قد نجد أنفسنا في يوم من الأيام غير قادرين على استيعابها لوجستياً في هاتين المدينتين.

نعم مع تطوير الأنظمة والبنى التحتية لكن هذا لا يعني نسيان المدن الأخرى وتطويرها. هذا هو الدور الكبير والملقى على عاتق وزارة الاقتصاد والتخطيط في عهدها الجديد اليوم. نجاحنا في توزيع التنمية يعني الكثير في تحسين مصاريف التشغيل والصيانة والنقل والموارد الطبيعية بين عموم المدن.

نجاحنا يعني اطمئنان سكان تلك المدن (الأخرى) باقتصاداتهم وبالتالي إلحاقهم بالعمل في مدنهم وبين أهليهم دون الحاجة إلى التنقل.