سجّل ثلث المدعوين للمشاركة في اللقاء التحضيري الثاني للحوار الوطني التاسع "غيابهم" عن الحضور، في حدث لافت شهدته المحاور الأربعة المخصصة للقاء طيلة نهار أمس في مدينة الدمام. ومن بين 35 مدعواً غاب 13 شخصاً، وظهرت المقاعد المخصصة لهم، في فندق شيراتون الدمام" "شاغرة" طيلة انعقاد الجلسات التي تناولت موضوع الإعلام. وعلق نائب رئيس اللجنة الرئاسية لمركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني الدكتور راشد الراجح الشريف لـ"الوطن" على الغياب الواضح بقوله "نلتمس العذر لعدم حضور بعض المتحدثين، فربما هناك ظروف منعتهم من ذلك رغم أنهم غابوا ولم يعتذروا عن الحضور".

كما شهدت الجلسات غياباً لممثلي الفضائيات الخاصة لعدم توجيه الدعوة لهم بحسب قائمة المشاركين في اللقاء الذي اتهم فيه مدير القناة الثانية بالتلفزيون السعودي سليمان بن عبدالرزاق الحمود بعض المتحدثين بالتغريد بعيداً عن محاور اللقاء التي حددت للمتحدثين، وهي (واقع الإعلام السعودي، المنطلقات الشرعية والفكرية للإعلام السعودي، الإعلام الجديد ودوره في تشكيل الرأي العام، مستقبل الإعلام السعودي وسبل تطويره). وخلصت نتائج الجلسات إلى أن للإعلام الدور الأبرز في صياغة رأي عام وطني مستنير، ولن يتحقق ذلك إلا من خلال الارتقاء بالمسؤولية الإعلامية لتكون هدفاً وإستراتيجية للإعلام الرسمي والخاص ولكل الكتاب والمدونين من خلال ميثاق شرف يركز على الثوابت وينظر إلى التعدد والاختلاف على أنه اختلاف إثراء وتنوع وائتلاف وليس اختلاف تنازع وتضاد، والابتعاد عن النمطية في الإعلام المرئي الوطني، والدعوة إلى مزيد من الشفافية والحرية المنضبطة التي تعزز الحوار الوطني والحضاري لكل القضايا بما يكرس الوحدة الوطنية والأمن الفكري، والاستفادة من الإعلام الجديد وقنوات التواصل الاجتماعي في مناقشة قضايا الشباب وتطلعاتهم وهمومهم ورؤيتهم المستقبلية، والانفتاح على الآخر مع المحافظة على السلم الاجتماعي، إلى جانب الاستمرار في تطوير الإعلام وقنواته والعاملين فيه تقنياً وتدريبياً ليواكب المستجدات المحلية والإقليمية والدولية، وليسهم بفعالية في التعريف بالواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي للمملكة.

ملاك ومعلنون

ورغم تكرر بعض الأفكار التي شهدها اللقاء إلا أن اللقاء لم يخل من بعض المقترحات من قبل المشاركين، كان أهمها ما تناوله إجماع على وجوب تخلص المؤسسات الإعلامية من قيود المصالح المرتبطة برغبات ملاك القنوات والصحف ورغبات المعلنين التي اتضح جليا ارتباطها بالقيود الإعلامية التي صنعها الإعلام على نفسه حفاظاً على مصالحه، مما يحد من تأثير الإعلام وبالتالي هروب المتلقي إلى وسائل أكثر ملامسة لواقع المجتمع واحتياجاته، إضافة إلى رؤية البعض أن الإعلام السعودي يمثل الحكومة بامتياز، لكنه لا يمثل حاجة المجتمع السعودي إلى سلطة رابعة تمثل حاجاته وحقوقه إلى جانب أن حاجة الإعلام السعودي التحقيق الإعلامي الأصيل الصادق البعيد عن أفكار وميول كاتبه.

هموم الجامعيين بعيدة

وكان للطلاب في المراحل الجامعية مطالبات بطرح قضاياهم وما يعانيه الطالب الجامعي عبر الإعلام، حيث اعتبر البعض ذلك تقصيراً من المؤسسات الإعلامية إلى جانب دعوة المجتمعين إلى إعطاء الأطفال اهتماماً إعلامياً مكثفاً يسند إلى جهة تقوم بإعداد برامجه وسياساته بشكل مدروس ومخطط يتوازى مع ما يعيشه الطفل.

وناقش المجتمعون تركيز الإعلام السعودي حالياَ على موضوعات تتعلق بمتطلبات المجتمع المعاصر كقضية تحرر المرأة والبطالة والسكن وواقع الليبرالية بلغة حوار راقية، في الوقت الذي دعا البعض بالالتزام بالحجاب الشرعي والاهتمام بالمظهر الخارجي للإعلامية السعودية، لأنها تمثل مجتمعاً إسلامياً محافظاَ هو محط أنظار العالم الإسلامي، وعدم تغييب المرأة السعودية ذات الكفاءة في الإعلام ومنحها الثقة للإسهام في صنع القرار.

وشدد البعض على أهمية بحث الموضوعات التي وصفوها بـ"المسكوت عنها" دون انتظار إشارة حكومية أو دعم المسؤولين لذلك البحث، والحذر من إصدار الإعلام أحكاماً بحق آخرين قبل أن يحكم القضاء بشأنهم، والالتزام بالقرارات الملكية السامية في عدم المساس بالرموز الوطنية كالمفتي ورجال الدولة، واعتبار هذا الأمر خطاً أحمر لا يمكن تجاوزه.

الدين والإعلام

وشهد المحور الثاني المتعلق بالمنطلقات الشرعية والفكرية للإعلام السعودي محاولات وصفها الدكتور غازي بن عبدالعزيز الشمري رئيس التكافل الأسري في إمارة المنطقة الشرقية في حديثه لـ"الوطن" بأنها تسعى إلى فصل الدين عن الإعلام، مضيفاً أننا في بلد يحكم بشريعة الله وأن الدولة لا يمكن أن تسمح أن يخرج الإعلام عن الإطار الشرعي ومن رضي بذلك رضي ومن لم يرض فسيرضى إن شاء الله.

أما في المحور الثالث فاتضح أن هناك خلطا لدى بعض المشاركين في تفسير هذا المصطلح، إلا أن الكاتب والمدون عصام الزامل أوضح بطريقة الشباب معنى الإعلام الجديد الذي احتوى ملايين الناس في مواقع التواصل الاجتماعي (فيس بوك وتويتر) وغيرها من المواقع التي تقدم خدماتها بشكل عصري، حيث قال إن الصحف الإلكترونية المستقلة أو شبه المستقلة هي جزء بسيط جدا من منظومة الإعلام الجديد التي تجتاح العالم مثل (تويتر، فيس بوك، المدونات) إضافة إلى أي وسيلة تعبير غير مركزية، فالإعلام الجديد..(لا يمكن) أن يكون فيه (مدير تحرير).. الإعلام الجديد (يحرره كل الناس).

ولم تكن التعليقات التي ألقتها المشاركات من الجانب النسائي في اللقاء الثاني للحوار الوطني تليق بمستوى الحدث، حيث اتسمت غالبيتها بالطابع الإنشائي، بحيث إنهن لم يركزن في غالبية الجلسات على القضايا المهمة حتى وإن تطرقن إلى بعضها فإن طريقة تناولهن لتلك القضايا كانت هزيلة، حتى وإن الجانب الرجالي شعر بذلك وطالبوا بضرورة أن تكون المداخلات أكثر شفافية.

المرأة والإعلام الخارجي

وأوضحت لـ"الوطن" مديرة العلاقات العامة في كلية الآداب بجامعة الدمام مها الوابل أنه من خلال استبيان قامت بعمله خلال عام 1430 على طالبات جامعة الملك فيصل بجميع مراحلها من سن 18 - 24 سنة كشفت من خلاله أن 90% من الطالبات لا يتابعن الإعلام المحلي المقروء والمسموع، وهي نسبة موحشة بنظرها.

أصغر المشاركات أروى الجبر، وهي طالبة بالصف الثالث الثانوي وكاتبة بمجلة الحياة، تحدثت لـ"الوطن" عن مشاركتها حيث تطمح أن يكون هنالك اهتمام أكثر بمواهب الشباب وأن يلاقوا اهتماماً من قبل الجهات المختلفة في الدولة.

والتقت "الوطن" سفيرة مؤسسة الفكر العربي بيان حريري التي قالت إنها متفاجئة جداً من التنوع العمري المشارك في اللقاء، وأن نظرتها تغيرت من حيث إن غالبية الشباب لا تثق بالفئة العمرية الأكبر منها سناً، حيث وجدت أن شخصيات معينة طرحت أفكاراً اعتبرتها رائعة قياساً بالتجربة السعودية في مستوى الحوار.

وقالت حريري رداً على سؤال "الوطن" حول رأيها في شباب المملكة في هذه المرحلة: إن الوعي الذي حدث خلال الأشهر الأربعة الماضية، خاصة فيما يخص الأحداث الجارية في العالم العربي لم يحدث خلال السنوات العشر الأخيرة. وأضافت: إنهم كشباب كانوا قبل سنة لا يهتمون ببعض المواضيع التي أصبحوا يتحدثون عنها كثيراً، وحتى طريقة الحوار والمفردات التي يستخدمونها أيضاً تغيرت، والحراك الثقافي الذي يحصل الآن بين الشباب في هذه المرحلة لن يكون له نهاية.

الإعلامية هيفاء خالد قالت لـ"الوطن" إنه مع التغييرات التي تشهدها المنطقة فإنه من الضروري تعزيز مفهوم "أمن وأمان الوطن"، حيث إنها كصاحبة مشروع مبادرة الطلاق فإنها تفضل تطبيق مفهوم الأمن والأمان في الوطن بين الشباب على مشروعها الخاص بالطلاق، حيث قالت هيفاء إنها فوجئت بعدد كبير من الكاتبات والأكاديميات اللواتي كن يشجعن الشباب للخروج في تظاهرات ليست من صالح أمن الوطن.