يحكى أن ملكا من ملوك الهند أتى بفيل لقصره، ثم أمر بإحضار مجموعة من فاقدي البصر ليقوموا بوصفه شريطة أن يلمس كل منهم جزءا واحدا من جسد الفيل. وبعد أن انتهوا من مهمة اللمس، طلب منهم الملك بأن يقوم كل شخص بوصف الفيل. تفاوتت الإجابات فمن لامس الرأس وصف الفيل بالوعاء، ومن لامس الرِّجل وصفه بالعمود ومن لامس الخرطوم وصفه بالأنبوب ومن لامس الأذن وصفه بالمروحة. لم يستطع الرجال العميان الوصول إلى إجابة موحدة، وبدأوا بالنقاشات والخلافات مما أبهج الملك الذي أيقن أن عرشه لن يتأثر بأي مشكلة ولو كانت بحجم فيل قابع بوسط القصر. هذا الملك المبتهج يتمثل يوميا على أرفف المحلات التجارية على هيئة علب سجائر، وفي المقاهي بشيشة تباع لأطفال وقاصرين يأخذون حيزا مجتمعيا عظيما كحيز الفيل في الغرفة.
طالعتنا صحيفة عكاظ في عددها الصادر بتاريخ 16 ذي القعدة 1431 بخبر يؤكد هيمنة شركات التبغ في السعودية، حيث تمت إعادة بيع علب الدخان في منطقة القصيم بعد 16 شهرا فقط من قرار مجلس أمانة القصيم البلدي في بريدة في عام 1430 والذي تضمن منع بيع الدخان على من تقل أعمارهم عن 21 عاما. ويذكر الخبر أن السبب في إعادة البيع استلام أمانات المناطق تعميما من وزير الشؤون البلدية والقروية ينص على أن وزارة الداخلية رأت التريث في إجراءات منع بيع التبغ باعتبار أن مكافحة التبغ تعنى به عدة جهات حكومية فضلا عن وجود لجنة وطنية لمكافحة التبغ منذ العام 1428 من مهمتها وضع استراتيجية مكافحة التدخين وتحديد مهام كل جهة.
استغرق وأد قرار منع بيع التبغ لمن هم دون 21 عاما في منطقة القصيم حوالي السنة، مدة لا تحلم بها شركات التبغ في بقية دول العالم بأن تعاود الوصول لهذه الشريحة المجتمعية بكل سهولة. وكحالنا أحيانا، نبدأ من حيث بدأ الآخرون، فعوضا عن تبني قرار مجلس أمانة القصيم البلدي كبذرة لتفعيل المادة الـ16 ـ والتي لم تر النور حتى الآن ـ والخاصة بالمبيعات التي تستهدف القاصرين والمبيعات بواسطة القاصرين من اتفاقية منظمة الصحة العالمية الإطارية بشأن مكافحة التبغ والتي وقعت وصادقت عليها المملكة منذ العام 1425، نجد أنه يتم إيقاف هذه المبادرة بحجة وجود لجنة وطنية لمكافحة التبغ لم يتفق أطرافها على وصف الفيل.
بنظرة سريعة على التعداد السكاني لعام 1425 والصادر من مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات نجد أن السعوديين من الفئة العمرية 19 عاما وأقل يمثلون ما يقارب 50? من التعداد الكلي للمملكة. ترتفع هذه النسبة لتصل إلى 60? عند إضافة الفئة العمرية ما بين 20 ـ 24 عاما. أي أن إصدار قرار بمنع بيع منتجات التبغ لمن هم دون سن الـ21 عاما سيظهر الفيل على حقيقته وحقيقة مبيعات شركات التبغ في المملكة، ولن يكون هناك أي خلاف بأن سن هذا التشريع سيكون حجر الزاوية في مكافحة التدخين خصوصا وأن الدراسات العالمية أجمعت أن أغلبية المدخنين بدأوا بالتدخين تحت سن 21 عاما.
هذه التركيبة المجتمعية تقودنا لنقطة مهمة وهي تشتت الاستراتيجيات الحالية لمكافحة التبغ في المملكة، والتي رصدت لها الدولة ميزانية وقدرها 13 مليون ريال سعودي لعام 2008 فقط حسب تقرير منظمة الصحة العالمية عن وباء التدخين في المملكة العربية السعودية.
النشاطات الحالية تحوم غالبيتها حول رفع الرسوم الجمركية، كشف تلاعب التجار في تغليف علب السجائر، رسائل توعوية، تحليل لاستراتيجيات الدول الأخرى في مكافحة التبغ ولكن ماذا عن منع بيع التبغ للقاصرين في المملكة؟ ما العوائق التي تواجه اللجنة الوطنية لمكافحة التبغ والتي تمنع المملكة من الالتزام بالمادة الـ16 من الاتفاقية الإطارية لمكافحة التبغ؟!
الدراسات المتواجدة عن مكافحة تدخين القاصرين في المملكة قليلة، وغالبا ما تكون محدودة وضعيفة من الناحية العلمية المنهجية، ونتائجها تعطي الانطباع الخاطئ بأن الجهود التوعوية الحالية فعالة وكافية للوصول إلى الأهداف الوطنية وهذا ما يدفع بأصحاب القرار للركون إليها وعدم تفعيل التشريعات والقوانين. هذه الدراسات تتحطم عندما تواجه بمبيعات التبغ في المملكة، والتي جعلتنا في مصاف الدول العالمية كرابع أكبر دولة مستوردة للسجائر في العالم، والـ19 في فئة نمو سوق السجائر العالمي. هذه المبيعات التي تبلغ قيمتها حوالي الـ600 مليون ريال سعودي، يقدر نصيب المواطن بـ750 سيجارة سنويا.
تنص المادة الـ67 من نظام الأحوال المدنية لوزارة الداخلية بأنه يجب على كل من أكمل سن الـ15 مراجعة إحدى الدوائر الحكومية لاستصدار الهوية الوطنية. إذا لن توجد مشكلة في معرفة عمر من يقوم بشراء علبة سجائر من أحد الأرفف متى ما تم تفعيل القانون الذي يكفل لصاحب المحل التجاري الاطلاع على الهوية لمعرفة العمر ومن ثم البيع على أساسه. وهذا ما تقوم به 76 دولة حول العالم، وعلى رأسها الهند التي توحدت في معرفة فيل القصر وقتلت بهجة ملك التبغ.