ما سأستعرضه ليس من باب التذمر أو جلد ذواتنا معشر الوسط الرياضي السعودي، بقدر ما هو استنتاج وتحليل ظل في مخليتي منذ فترة أبحث له عن سبب، فلم أتوصل إلى قراءة شافية كافية مقنعة حياله، لذا ستكون بين أيديكم أعزائي قراء صفحات "الوطن" الكرام، لعل هناك من سيحلل ويضع النقاط على الحروف كإجابات لمحاور هذه المقالة الموجزة.
التساؤل العام: لماذا مشهدنا الرياضي السعودي لم يعد يُشبع كما كان في العقدين السابقين؟
مشهدنا الرياضي يتكون من جملة معطيات، فهناك مباريات الأندية، ومباريات المنتخبات، الإعلام الرياضي: صحافة وتلفزيون وإذاعة.
وكل واحد من هذه المعطيات كان بحد ذاته متعة بظروفه وشخوصه ونتاجه، فالمباراة أيا كان طرفها تجد الاهتمام والمتابعة والسؤال قبل وأثناء وبعد انتهائها، لم تكن النتيجة فقط الهدف، ولم تكن تشفي غليل المتابع الرياضي السعودي حينها، وكل هدف هنا أو هناك له معنى وقيمة وأثر في سير مستقبل المباريات، واللاعب الهداف يحظى بتقدير وتثمين يزيد عن بقية زملائه ومنهم من مرر الهدف أو رسمه بإتقان، إنما هي ثقافة أحاطت بالمكون الذهني للمتابع الرياضي، وتقبلها بقية أفراد الفرق بكل راحة ودون تضجر أو ضغينة على ما يحصل عليه زميلهم الهداف.
كذلك الحال بالنسبة لمباريات المنتخب السعودي الأول والمراحل السنية كالناشئين والشباب الذين أبلوا قبل أكثر من عقد بلاء حسنا ساهم في رفع اسم الكرة السعودية عاليا في محافل قارية ودولية وعالمية، ولم تكن مباريات المنتخب مجرد مشاهدة عبر الشاشة الفضية وكفى، وإنما كانت الرغبة جامحة للحضور والمشاركة في أجواء المدرجات وطقوسها الاحتفالية مع دخول الأخضر بنجومه ومع كل هجمة وكل فرصة تسجل بأقدام أو هامات نجومنا البارزين، فكانت اللحمة الجماهيرية للمنتخبات أقوى وأوضح منها في منافسات الأندية وحمى صراعاتها وأطماع كل واحد منها بعيدا عن مصالح وتطلعات الآخرين.
والمتفق عليه أن هناك حالة إشباع واضحة ومقنعة للوسط الرياضي، وملأت عليه احتياجه المعنوي والنفسي بكل أريحية، ولم تكن المقارنة الخارجية تشغل بال الوسط الرياضي السعودي إلا بعد مشاركة مونديال كوريا الجنوبية واليابان 2002 المخيبة، فاتسعت آفاق الجمهور السعودي وبات مطلعا ومتابعا بنهم لما يجري خارج الحدود رياضيا وشبابيا.
نأتي على الإعلام الرياضي، على قلة وسائله كان إلى حد بعيد يلبي هامش ما يحتاجه الوسط، والمحتوى العام هو الآخر يلامس واقع الفترة ويشخص كل تفاصيلها بثقة أكبر، وجرأة أكثر، ولغة أرقى، وأسلوب عرض محبب للنفس أكثر منه ما نراه في وقتنا، ربما لأن الزاوية كانت محمية بضوابط الخبرة والمعرفة واللغة.
فالتحليلات على الرغم من حدوث هنات إلا أنها كانت حديث المجالس بعباراتها وعناوينها، والمقالة ينتظرها الوسط على مدى ستة أيام حتى تلامس ناظريه مقالة جديدة تحمل رؤى (متعوب عليها)، والبرنامج التلفزيوني كان على قلة الإمكانات يحقق رضا أكبر مما نجده أيامنا هذه، والكوادر التي تمنح الفرصة كانت تثمن الفرصة وتشحذ قدراتها ومعارفها وأساليبها حتى تضمن بقاء المشاهد طيلة الحلقة وتحفزه لانتظار حلقة الأسبوع المقبل، وينسحب ذلك على البرامج الرياضية الإذاعية، فالكل يسعى ويجد ويجتهد ليشبع نهم المتابع ويشبع المواضيع تغطية وتحليلا ورؤية بفكر وروية.
مقدر جهد كل هؤلاء الرجال الذين أشبعونا بنتاجهم وحرصهم واهتمامهم بتناول الأفضل لمشهدنا الرياضي، وتعلمنا منهم الكثير، فالتحية لهم جميعا.