هذا الرجل الآن خارج العصر بكل المقاييس العقلية والصحية والنفسية. فهو في كل لحظة تسنح أو إطلالة تجيء يحاول جذب التاريخ للعودة إلى نقطة ما، كان فيها أذناً عريضة و"حنجرة عميقة"، وراوي شهادات حول كل شيء من أي شيء ولأي شيء.. ناقل ثرثرات، موصل وشايات، حامل نمائم صغيرة، وكاتب تقارير، أستاذ التفاصيل التي تقود إلى التفاصيل والشهود الغائبين.. يركض خلفه إعلام يصعر خده للناصرية كفردوس مفقود، سادنها الباقي "الأستاذ" الذي قضى على زملاء المهنة واحدا واحدا فأبعد وسجن ووشى وتخلص.
إعلام ما بعد العولمة بذهنية شيخ الطريقة وقطب الجماعة "تمدد" في الحضرة الهيكلية، فـ"الجورنالجي" قابل الجميع، حاور الكل، هاتف الدنيا، واجه الصحافة، أحياء وأمواتا، ملوكا، زعماء، سياسيين، هراطقة، دينيين، سوقة، نخبا.. في كل العصور.. ملكي، جمهوري، انفتاحي، ثورجي، "محفوظ عجب"، "دموع صاحبة الجلالة" الذي باع الجميع من أجل الجميع، نموذج الانتهازية، وماركة التسلق الحصرية وشهرزاد القرن العشرين في الليالي العربية التي لا تكف عن القص حتى بعد رحيل شهريار، ماكينة الكلام التي لا تتوقف، "توت عنخ أمون" الصحافة الذي يريد أن ترى قناعه الذهبي دون أن تكتشف بشاعة المومياء في كل زيارة لك لمتحف التاريخ.
اليوم يريد الرجل المئوي أن يستكمل مسيرته ويسجل شهادته على الحقبة، الآن.. الآن وليس غدا شعت المصداقية وتيقظ الضمير الذي لا يفيق إلا حين يختفي صانعو الحدث! الآن سلت الشجاعة الأدبية سيفها في هذا الظرف، لكن تجربة الأستاذ تقول إن من مارس هوايته مع مختلف العصور والزعماء يستحيل أن يتخلى عنها.. لكن السؤال الذي لا يمكن استيعابه:
ما الذي يخاف منه وعليه المرء بعد 100 عام من الحياة؟