أستغرب ما تعلنه بعض الجمعيات الخيرية القائمة على شؤون الأسرة وتيسير الزواج من أعداد الراغبين في الزواج من الفتيات، وأستغرب أكثر كيف تلجأ الفتاة في الثلاثين من عمرها أو أكثر قليلا إلى هذه الجهات بطلب للزواج، في مجتمع محافظ يضع القيود المحكمة حول الفتاة، ويرى (عرفا) أن طلب الفتاة من ذويها تزويجها أمر معيب ومزعج بالنسبة للأسرة، وما الذي يجعل الفتاة تتمرد على هذه القيود بعد أن كانت منصاعة لها، بل وتلجأ إلى مثل هذه الجهات بحثا عن زوج مناسب؟. لكن المفاجئ في الأمر، بالإضافة إلى تقلص الخيارات المتاحة أمام الفتاة بعد أن كانت تملك الكثير من الفرص هو أن الأسباب التي تدفع الرجل للبحث عن فتاة عن طريق هذه الجهات تختلف كثيرا عن الأسباب التي تدفع الفتاة إلى هذه الجهات نفسها.. فالفتاة هنا وبعد تخطيها سن الخامسة والثلاثين غالبا، ترغب في الحصول على زوج بمواصفات معقولة حسب معايير (دينه وخلقه) وتسقط باقي الرتوش التي كانت سببا في تأخير زواجها، هدفها الأساسي الستر والإنجاب وتكوين أسرة. لكن الرجل يأتي باحثا عن أكثر من هذا بكثير ـ إلا فيما ندر ـ فهو إما أن يكون ممن قد أخفقوا في زيجات متعددة ويريد أن يجرب حظه من جديد بتكلفة غير مرهقة، وشروط ميسرة، وإما أنه يرغب في زوجة أخرى أصغر سنا وأكثر استعدادا لتقديم التنازلات المتعلقة بالمهر والسكن المستقل والقبول بوجود أسرة وأولاد بحكم أنها مطاردة من شبح العنوسة المخيف.. أو أنه يريد الحصول على زوجة موظفة أو مستقرة ماديا، لذلك فإن هذه الأمور وإن حققت التقاء بين الزوج والزوجة في المنتصف؛ إلا أنها لا تشكل أساسا راسخا لحياة ممتدة.
لذلك لا بد أن يتبع هذا النوع من الزيجات توعية خاصة لدور واحتياجات كل من الزوج والزوجة قبل الدخول في معترك الحياة الزوجية. وليت الفتاة تدرك أهمية الزواج ودور الزوج في حياتها قبل فوات الأوان، فهي عادة تقضي السن المرشح للزواج بين التطلع إلى نماذج مثالية مبالغ فيها، أو أنها تبالغ في الانتقاء وذلك عن طريق التمحيص في سيرة المتقدم وسلوكه ووظيفته ومدخراته ودرجته التعليمية حتى ينتهي بها المطاف إلى الرفض. حتى إذا تجاوزت سن الخامسة والثلاثين وانحسر عنها مد العرسان، بدأت في التفكير في كيفية استقطابهم من جديد بتقديم الكثير من التنازلات.