ينتشر في الإنترنت مقطع من برنامج لعضو البرلمان البريطاني السابق George Galloway أحرج فيه شاباً سعودياً اتصل به.
في الحقيقة الشاب مثل الكثيرين منا يملك رصيداً ضخماً من الجمل الإنشائية عن عظمة الاقتصاد الإسلامي.. لكن المذيع البريطاني كان منطقياً جداً لذا أحرجه، وأخذ المقطع عنوان: "مذيع بريطاني يحرج سعودي".. إن ذلك يشبه ما نقوله عادة عن مجتمعنا، ثم تفاجئك التقارير المقدمة من هيئة الادعاء والتحقيق أن عدد جرائم الاعتداء على الأعراض بلغت 28 ألف قضية في عام واحد فقط، أو تخبرك وزارة الشؤون الاجتماعية أن هناك 2000 حالة تقريباً تعرضت للعنف خلال عام واحد من قبل الأب والأم والإخوة، كما يخبرك إحصاء آخر عن عدد من تعرضن للاغتصاب من المحارم وسيفاجئك الرقم, بل أنت لست بحاجة للإحصاءات فقط، هات ورقةً وقلماً واكتب آخر جرائم قرأت عنها في الصحف راح ضحيتها طفل أو شيخ أو عاجز؛ سيذهلك الرقم! ناهيك عن قضايا الابتزاز والاغتصاب والتحرش، إن لغة الأرقام تعطيك مؤشرات عن الوضع، وللعلم كان أول من استخدمها رسول الله صلى الله عليه وسلم لقياس وعي المجتمع وتراحمه وتواصله، فقد كان يسأل أصحابه عمّن فعل كذا، ومن فعل كذا من أوجه المعروف؛ لذا علينا أن نكفّ عن الجمل الإنشائية أو الانتقاص من مجتمعات أخرى من منطلق "طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس"، ولنسارع بالتغيير؛ أعني التغيير المخطط له والمعد له إعداداً ذكياً وحكيماً، فتوزع فيه الأدوار على كل فرد في المجتمع أياً كان منصبه أو مكانته أو عمره، وعلى مؤسسات المجتمع على اختلافها.
ولقد لفت نظري مشروع قدمه الدكتور عمر الإندجاني اسمه: مشروع النهضة الأخلاقية (خلق)، وهو يسعى وفريقه المؤسس إلى تحويل الأخلاق التي نملكها نحن المسلمين في صورة ثروة هائلة من القواعد والأقوال والمواقف والقدوات من الرجال إلى واقع وأسلوب حياة، ووضعوا لعملهم محاور تتناول الأسرة والتعليم والعمل والمجتمع.. إلخ، ثم وضعوا اقتراحاتهم بخصوص طرق الإصلاح داخل المجتمع، ثم رتبوا لذلك بأن وضعوا مراحل لبناء مشروعهم تتمثل في مؤتمرات وملتقيات دعوية ومحاضرات ومنشورات ودورات تدريبية تقام على مدار العام، كما وضعوا آليات لتطبيق كل ذلك، ولقد بدؤوا فعلاً عبر تقديمهم لبعض البرامج التدريبية عن الصبر والتنظيم وغيرهما.
في الحقيقة، أن رؤية بعض برامجهم المنفذة مما يدعو للبهجة والأمل، فماذا لو انضم لهم مليون رجل وامرأة في كل مناطق المملكة وانتشرت هذه الفعاليات؟ لا أشك مطلقاً في أننا سنجد مردوداً أخلاقياً عظيماً تحمله إلينا المؤشرات التي تكون بلغة الأرقام.
قد يقول قائل: الأخلاق لا تُعلّم بل تخلق مع الإنسان، لكن ذلك غير حقيقي، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغنِ يغنه الله, ومن يتصبر يصبره الله, وما أعطي أحد عطاءً خير وأوسع من الصبر)، متفق عليه.