قالت إعلامية سعودية معروفة في مقابلة لها رأيا سلبيا حول أحد الأجهزة الحكومية، أثارت به حفيظة الكثيرين ممن يعتقدون بأهمية هذا الجهاز. وحقيقة هي ليست أول ولن تكون آخر من يوجه نقده لإدارة حكومية، كما أن ما قالته تردد مرارا وتكرارا على ألسنة الناس، أي أنها لم تأت بجديد. المفزع في الأمر هو العقوبات التي اقترح البعض أن تنالها، ومنها سحب جنسيتها، فقط لأنها عبرت عن رأيها حول جهاز إداري وضع لخدمة المواطنين وهي واحدة منهم.
ولأن الرأي يظل رأيا لا مترتبات عليه لذا فالرد يجب أن يكون من جنس العمل وهو نقد الفكر بالفكر والرأي بالرأي، وليس بالمطالبة بالمحاكمة أو السجن، حيث إن المطالبة بمحاكمة من ينتقد تعكس قصورا فكريا شديدا،
فإدارات الدولة هي عبارة عن نظم وسياسات ولها إنتاج وعملاء، هم المواطنون، ورضاهم عن أداء أي إدارة هو مقياس نجاحها وفشلها، وهم أصحاب حق مطلق في نقد هذه الأجهزة التي وضعت لخدمتهم، ونقدهم يجب أن يستغل كفرصة إيجابية للتحسين وليس كفرصة للانقضاض على العميل والاقتصاص منه، كما يحدث لدينا. وحتى الأشخاص الذين يعملون فيها يمثلون الأنظمة والسياسات القائم عليها الجهاز ولا يمثلون أنفسهم. فسلوكيات الموظف مع عملاء إدارته يجب أن تكون موضع نقد وتحقيق، وأيضا رضا العميل هو ما يؤخذ في الحسبان عند تقييم الإنتاج وليس رضا الموظف.
أما الطامة الكبرى وهي المطالبة بسحب جنسية صاحب الرأي فهذا الأمر يجب أن نتوقف عنده طويلا، لأنه في غاية الخطورة، فالمواطنة جزء أساسي من الحقوق التي لا يجوز المساس بها لمجرد النقد.
وعلى ذكر سحب الجنسية، دار بيني وبين صديقتي المصرية حوار لطيف، حيث سألتني: ماذا يعني سحب جنسية هذه الإعلامية؟ فأجبتها: أي يتم تجريدها من أوراق الهوية.
سألت: كيف؟ لم أفهم؟!
فصرت أشرح لها بالتفصيل معنى سحب الجنسية وأبعاد القضية وحجمها. فعادت تسألني وقد ازداد ذهولها: صدقيني لم أفهم الموضوع، أو أني بالأحرى غير قادرة على استيعابه. ثم استرسلت مع نفسها وكأنها تحاول أن تفهم: "يعني مثلا لو سحبوا جنسيتي المصرية راح أبقى إيه؟!! مش راح أبقى مصرية وأعيش فين وأنا أصلا مصرية؟
المهم أن ما بقي في ذاكرتي من هذا الحوار ليس تعجب صديقتي اللافت من غرابة هذه الممارسات، بل تعجبي من نفسي ومن بعض تصرفات مجتمعي.