منذ بضعة عقود، وعبر إعلام تقليدي، مررنا بموجة من الترهيب، وكذلك الترغيب الذي لا يمت للواقع بصلة، واختلقت قصص تروي أن فلانة الفلانية عندما ماتت احترق وجهها لأنها لم تكن ترتدي غطاء يستره، وأن علانة العلاّنية مسخها الله قردة لأنها ارتكبت كذا وكذا (وهو ما لم يحدث لأم جميل حمالة الحطب)، وأن قبر ذلك الرجل تخرج منه الثعابين لأنه فعل كذا وكذا (وهو ما لم يحدث لأبي لهب)، كل ذلك لم نسمع ولم نقرأ أنه حدث لأي من مشركي قريش الذين عاصروا نور النبوة وكفروا بالإسلام.
ومنذ بضعة قرون، انتشرت مرويات مكذوبة - لأهداف دنيوية - ادعى مروجوها أنها تعود للرسول صلى الله عليه وسلم، فمنهم من كان ينقل أحاديث لا أساس لها من الصحة لمجرد أن يبتاع الناس بضاعته، ولكن سخر الله لها علماء أجلاء فندوا زيفها وكذبها، ولله الحمد.
ومنذ بضع سنين، منّ الله علينا بوسائل إعلامية جديدة للتواصل، كالإيميلات والمنتديات الإلكترونية، والمجموعات البريدية، فهيأت لظهور ثقافة "انشر تؤجر" من جديد، ولتعود معها رسائل الترهيب والترغيب بأسلوب أكثر حداثة، حاملة معها الصحيح والخاطئ والخرافي والكاذب، دون المرور بأي وسيلة ترشيح، فمن قائل إن إبليس يبكي لأنك تقرأ هذه الرسالة، وسيغشى عليه إن أنت أرسلتها لعشرة أشخاص، وإن مكروها سيصيبك إن لم تنشرها، وغير ذلك من التهاويل التي ما أنزل الله بها من سلطان.
أما الآن، في زمن البلاك بيري والآيفون، فانتشرت هذه الرسائل كالنار في الهشيم، وكل ما عليك هو أن تدخل يدك في جيبك تخرج محملة بـ"البرودكاست"، الذي يحوي رسالة جازمة أن نشرها جالب للأجر.
هذه الرسائل ترتدي الثوب الوعظي المؤثر، وبعض ناشريها يحسنون الظن بها، فيسهمون في ترويج الأكاذيب.
كل ما أرجوه هو أن نعي خطورة هذه "الأسفار" التي نحملها وننقلها، ونتوقف عندها قليلا، قليلا فقط، حتى لا نتحول إلى أدوات تسهم في التراكم المعرفي السلبي.