لا أحد يرضى أن يرى يهوداً يقيمون قداساً في بلاده أو يتبركون بآثار مضت عليها آلاف السنين. ذلك لو أن مصر رضخت الآن للضغوط وسمحت لليهود بإقامة الاحتفال بالحاخام "أبو حصيرة "على أرضها الذي يقال إنه دفن في قرية دميتوه بدمنهور، فسوف يكون ذلك مدعاة لليهود مستقبلاً لأن يطالبوا بإقامة احتفالات في كل بلد فيه أثر يهودي مشكوك في صحته. لذلك فإن ما تتعرض له مصر من ضغوط قد يتكرر في بلدان عربية أخرى مما يستوجب الإعداد ووضع خطط سياسية وإعلامية وشعبية لمواجهة الادعاءات الإسرائيلية الطامعة. من المؤكد أن مصر لن تسمح لليهود بإقامة احتفالهم هذه المرة لأنها سوف تستند إلى الرفض الشعبي، ولن تلجأ كما كان يفعل النظام السابق في قهر شعبه وإجباره على إخلاء الطرق المؤدية إلى المقبرة المدفون فيها الحاخام اليهودي. إلا أن ذلك سوف يضعها في مواجهة الضغوط الدولية التي ستكرسها إسرائيل ضدها مما يترتب عليها أيضاَ أن تفكر في طرق أخرى لمنع تطاول إسرائيل في استغلال الآثار للادعاء بمطالب واهية في أراضيها. وهذه ليست مسؤولية مصر وحدها إذ يجب أن تتكاتف معها الدول العربية. أول ما يجب أن تفعله الدول العربية هو الانتقال من موقف الدفاع إلى جعل إسرائيل هي من تتلقى التهم والضغوط الدولية. ذلك أن المبدأ الدولي الذي تعتمد عليه إسرائيل للدخول إلى الدول العربية هو إتاحة الوصول إلى أماكن الآثار والعبادة. وعلى أرض الواقع فإن إسرائيل هي الدولة الوحيدة التي تمنع المصلين من الوصول إلى أماكن العبادة وتمارس ضدهم أساليب قمعية يجرمها القانون الدولي. ويكفي مشاهدة الجنود الإسرائليين عند صلاة الجمع والأعياد وهم يضربون الآلاف من الفلسطينيين أمام الطرق لمنعهم من دخول القدس للصلاة في المسجد الأقصى. إلى جانب ذلك بنت سوراً على طول المدن والقرى الفلسطينيية لتباعد بين السكان وتجعلهم يعيشون في قطع متناثرة. ولكنها في الوقت نفسه تطالب المصريين بالسماح لليهود بزيارة مقبرة "أبو حصيرة" حيث يقومون بتصرفات ضد مشاعر المصريين.

رغم عدم وجود أي وجه للمقارنة بين ما تفعله إسرائيل ضد المصلين الفلسطينيين أصحاب الأرض وبين ما تطلبه من دخول أرض عربية لا تملكها بحجة عيد حاخام يهودي، فإن العرب غافلون عن استغلال ثلاث حجج ضد إسرائيل وهي السورالعازل ومنع السكان من الصلاة في القدس علاوة على هدم وحرق دور وأماكن العبادة. لكن من المؤكد لو أن الدول العربية اجتمعت ومعها مؤسسات المجتمع المدني واشتركوا في حملة عالمية للضغط على إسرائيل لإجبارها على إزالة السور العنصري.. وأجبرتها على فتح الطرق أمام الفلسطينيين للصلاة في المسجد الأقصى، فإن ذلك كفيل بتمكين الفلسطينيين من ممارسة شعائرهم في مساجدهم بحرية. ومن المؤكد أن ذلك يضع إسرائيل في حجمها الطبيعي فلا تتطاول بمطالب واهية تمس سيادة الدول العربية على أراضيها.