كيف كان المؤتمر الصحفي الذي ضم وزير الخارجية القطري، والأمين العام لجامعة الدول العربية - والذي تلا كلمة الأمير سعود الفيصل - مختلفا وواضحا وجريئا في مطالبه وقراراته؟
كادت تلك القوة وذلك الوضوح أن يختفيا لولا أن الجامعة العربية اكتشفت أنها قد وصلت إلى مرحلة لا يمكن التراجع عنها، فلقد ارتفع سقف التوقعات في الشارع العربي كثيرا، وتحولت الجامعة إلى البطل الشعبي الجديد الذي لا يقل فتوة عن المناضلين الواقفين في وجه الظلم والقمع والاستبداد، على المستوى الإعلامي على الأقل، إلا أن فكرة إرسال مراقبين، والشكل الذي تم من خلاله تنفيذ الفكرة، ووجود أعضاء يتميزون بتاريخ عسكري غير مشرف في بلدانهم، أوجد حالة من الامتعاض السريع في الشارع السوري والشارع العربي.
ما لبث فريق المراقبين أن شهد خلافات داخلية بين أعضائه، أدرك الجميع أنها ستؤثر على التقرير الذي سيسلمه الفريق للجامعة، وهو ما حدث بالفعل.
مساء الأحد وحيث اجتمعت اللجنة الوزارية العربية بعد تسلم تقرير المراقبين كان يبدو أن أداء الجامعة سيكون عاديا للغاية، بل شهد آراء ومواقف مالت للتهدئة غالبا، كما جاء على لسان السيد نبيل العربي الذي تحدث عن تقدم إيجابي طفيف في الموقف السوري الرسمي.
هذا الواقع المتراجع في أداء الجامعة، والذي تأكد بعد تمديد فترة عمل المراقبين لمدة شهر كامل فتح الباب لتتحمل كل دولة مسؤوليتها السياسية والأخلاقية أمام ما يحدث في سوريا، فجاءت كلمة الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية لتحمل الجامعة مزيدا من المسؤولية، ولتؤكد أن غياب رؤية جماعية واعية من الجامعة لا يعني حدوث ذلك التراجع من الجميع، فقررت السعودية سحب مراقبيها من الفريق. وهي الخطوة التي حظيت بترحيب واسع لدى مختلف الأطياف العربية والدولية.
إذا كان عدد الضحايا الذين سقطوا منذ بداية عمل المراقبين في سوريا يقترب من الألف ضحية، فما الذي سوف يقدمه شهر آخر من التمديد لعمل المراقبين؟ من الواضح أن عملهم لم يقدم أي تأثير ميداني في واقع المواجهات اليومية بين الشعب السوري وقوات النظام، واقتصرت تأثيراته على جوانب سياسية وإعلامية، وجاءت كلمة الأمير سعود الفيصل لتضع الموقف السعودي في مواجهة مع استحقاق أخلاقي وسياسي يفرضه فشل تجربة إرسال مراقبين وعدم تأثيرها في مجريات الأحداث على الأرض السورية، وانطلاقا من الواقع الحالي الذي لم يشهد أي تغيير، فلا المظاهر العسكرية انتهت ولا الجيش عاد إلى ثكناته، بل حتى الخطاب السوري الرسمي لم يشهد أي تراجع أو تهدئة في لغته.
على عجل، وفي تلك الليلة طبخت الجامعة العربية مبادرة جديدة تقضي بأن يسلم الرئيس السوري صلاحياته كاملة لنائب الرئيس وأن يعلن البدء في حوار ذي سقف زمني يتحدد بأسبوعين يفضي إلى تشكيل حكومة تضم المعارضة والحكومة وتعمل على الإعداد لإجراء انتخابات حرة ونزيهة، وبمراقبة عربية ودولية.
هذا الاستنساخ الواضح للتجربة اليمنية إلى أي درجة يمكن اعتباره صالحا للواقع السوري؟ خاصة وأن حجم النجاح في الأزمة اليمنية لا يمكن قياسه إلى الآن، بل إن جانبا من تطبيق المبادرة أتاح ـ كما يرى البعض ـ للرئيس اليمني أن يلعب كثيرا على مسألة الوقت إلى الدرجة التي لم يكن من الممكن فيها تحديد مصير المبادرة اليمنية، إلا قبل أيام.
يختلف الواقع السياسي اليمني كثيرا عن السوري، فالمعارضة في اليمن جزء سابق من النظام، ويتحركون من داخل الأرض اليمنية خلافا لواقع المعارضة السورية، وفيما تراجعت قوة النظام اليمني على الأرض بسبب وجود انشقاقات كبرى في قيادات الجيش، حافظت على سلمية الموقف الاحتجاجي، يختلف الوضع السوري كثيرا الذي بدأ يشهد حضورا للجيش السوري الحر على مستوى العدد والعمليات التي ينفذها.
ثمة واقع حزبي تعددي في اليمن لا نظير له في الواقع السوري، وثمة قوى قبلية مؤثرة في التركيبة السياسية اليمنية أيضا خلافا للمشهد في سوريا.