قد يخوض الصحفي مغامرات خطيرة من أجل التقاط صورة نادرة من واقع الأحداث يحقق بها سبقا صحفيا، وقد تكلفه هذه الصورة حياته، لينقلها بواقعية إلى العالم، لكن هل يجرد الصحفي مشاعره من الخضوع للمتطلبات التجارية للاستهلاك الإعلامى أثناء تسجيل اللقطة، وهل تتعامل الصحف التى تتلقف هذه الصورة، بواقعية مجردة إبان نشرها، أم يتم التلاعب بها، لخدمة هدف أو غرض ما، قد يبعد بالصورة عن حقيقتها أو الهدف الذي التقطت من أجله أو يشوه هذا الهدف.

إنها أسئلة شائكة ومعقدة، تطرح المفارقة بين الضمير الإنساني للصحفي، وبين الصحفي الحرفي أو التجاري، وتطرح القصص الحقيقية لما وراء الصورة قبل أن تتدخل بها العوامل التجارية، حول هذا المضمون، يقيم متحف الصور بالعاصمة الهولندية أمستردام المعروف باسم "فويم" معرضا هو الأول من نوعه تحت عنوان "مكافحة التصوير الصحفي".

ورغم ما قد يوحي به اسم المعرض من سلبية ضد التصوير الصحفي، إلا أنه يبحث في الواقع عن حقيقة الصورة من خلال الضمير الإنساني، لحماية تلك الصورة من التلاعب لخدمة أهداف غير إنسانية، التي تساعد في تخليقها التكنولوجيا الحديثة.

كما يهدف المعرض وفقا للقائمين عليه إلى مكافحة الخطط المسبقة في التصوير الصحفي، ومكافحة استغلال الصور عبر التلاعب بها، فكارثة مثل المفاعلات الأخيرة في اليابان، أو في كوتديفوار، أو الثورات بمصر وليبيا وصور العنف واليأس، والحزن المتربع في الأجواء، كلها تسجلها الصور الصحفية، و لكن هل يتم نقل هذه الصور بصدق وموضوعية، دون أن يواجه الصحفي ورطة ما، ورطة أولا في التقاط الصور تحت ضغط الحدث وضغط مطلب الإدارة الإعلامية، ثم أخيرا تحت ضغط تطويع الصورة بشكل أو بآخر لتحقق انفرادا وتميزا على نحو مهني وحرفي.

يقدم المعرض الذي بدأ منذ يومين ويستمر حتى 8 يونيو القادم عشرات الصور التي تم التلاعب بها، بعيدا عن الصورة الأصل، ليؤكد على رفض مبدأ الاستهلاك التجاري للصور الصحفية، فصورة الحدث لا يجب إبعادها بشكل أو بآخر عن مصداقية الحدث.

ويشارك في المعرض مصورون من هولندا ودول أوروبية وغير أوروبية، منهم لوى بول، فيل كولينز، شكر توني، يزن الخليلي، مارتنز رنزو، كروغان لورا، وغيرهم من المصورين العالميين.

ويقول المصور الأميركي والناقد الان شيكولا "60 سنة" المشارك في المعرض، إن مصطلح "مكافحة التصوير الصحفي" يعني حماية الصورة من الفلاش لإضاءة جانب دون آخر في الصورة، حمايتها من التكبير، أو الأتوفوكس، أو تسكين اللقطة وهي متحركة، أو تحريك اللقطة وهي ساكنة، إذاً يجب حماية المصور الصحفي من الاستراتيجيات، ووجهات النظر، والتقنيات التي تشكلها المؤسسة الصحفية التي يتبعها، حتى لا تتحول الكاميرا إلى أداة عبثية.

ويشير شيكولا إلى تدخل عنصر الاستهلاك التجاري في صور درامية تاريخية هامة، تم التقاطها في الحرب الأهلية بالبوسنة سنة 1995، وفي صور اغتيال الرئيس السابق كنيدي، واغتيال المرشح روبرت كيندي عام 1968، وغيرها من عمليات اختراق للقطات الواقع.

ويضيف، عندما يلتقط مصور صورة طفل معاق أو جائع في دارفور، أرغب في أن يرى الجميع الصورة كما هي، ووراءها القصة الحقيقية لها، وعندما ينهار مبنى أو يدمر، أريد أن أرى صور هذا الدمار، وليس صورة جدران غرفة مجاورة لم يصبها الدمار، إن الصورة الصحفية تكلف صاحبها الكثير من الأعصاب، وهذا يستحق أن تقدم كما هي دون رتوش.