يسافر الناس هذه الأيام إلى أماكن شتى. كثيرون ذهبوا إلى دبي، يقال إن الرقم تجاوز السبعمائة ألف سعودي وصلوا إلى دبي براً وجواً، ولا أدري إن كان البعض قد وصل بحراً، حتى إن نكتة انتشرت عبر رسائل الجوال، تطالب من يطلع إلى دبي بأن يطفي اللمبات ويغلق الباب خلفه!

هذه الرحلات ممتازة لأنها تعلمنا على عادات الآخرين، لا لنشمت بها بل لنستفيد منها. أحدهم يسخر من أغنية هندية، ولم يعلم أن الأمة الهندية عرفت فنون الغناء والعلوم والتقدم الطبي والعلمي والفني قبل أن نتعلم كيف نعيش، واقتصاد الهند ليس اقتصاداً ريعياً، وهو من الاقتصادات الناشئة المرشحة لتكون من الأكبر عالمياً في غضون سنوات قليلة!

يسخر البعض من الفلبينيين، ولم يدر بخلده أنهم أمة لها تاريخ ولها قمم في الإبداع وشتى الفنون، ولو توقفت الفلبين عن تصدير مختصيها للعالم لتعطلت الطاقة في العالم، ولشل التمريض على الأرض كما يقول صديقنا عبدالله المغلوث! أما حين يتهوّر أحدهم في نقد اليابانيين والسخرية من الصينيين فهذا هو والله الخذلان بعينه، والهياط المبين!

لم نتعلم الاستفادة من عادات الآخرين. نكتفي بالسخرية منهم، هلا نظرنا إلى عاداتنا وسلوكياتنا وأشكالنا أحياناً بالمرآة، قبل أن نسخر من أغنية هندية، أو أكلة صينية، أو لبساً يابانياً أو نادلاً فلبينياً؟ أم أن مركزية ذواتنا جعلتنا فوق العالم؟!

السفر عرف من قديم الزمان على أساس أنه اكتشاف، حتى قبل أن يركب كولومبس البر والبحر مستكشفاً الجزر والأماكن والأمم. المسافر دائماً يكتشف، أما المسافر الذي يطرح نفسه نموذجاً كاملاً، فقط يفيد ولكنه لا يستفيد، هذا بلغ به الكبر والهياط مبلغه حتى يصعب على أي طبيب علاجه، وربما قال له الطبيب عاجزاً: "آخر الدواء الكي"!

وإذا كانت زيارة المتاحف، والاهتمام بحضور المسرحيات، من الثوابت لدى المسافرين السعوديين العزاب، الذين لا يعرفون طريقاً للملاهي الليلية، ولا علب السهر العبثي، فإن زيارة "المولات" عادة سعودية وخليجية جيدة، لكن بشرط أن تستثمر بشكل جيد، بحيث يكون هناك توازن في الجولة على المول، تزار المكتبة كما يزار كشك الآيس كريم، كما تزار محال الملابس والذهب، وكذلك يكون للأطفال من الجولة نصيبهم من الملاهي وغيرها، بعض المولات لها قصة أو تاريخ وفيها متحف، مثلاً مول "ابن بطوطة" في دبي فيه متحف في وسطه يضم آثار الرحالة، وتعاريف عنه وتماثيل له يستحق الزيارة والتأمل، وعلى هذا فقس.

قال أبو عبدالله غفر الله له: السفر استكشافٌ كامل، به نكتسب عاداتٍ جديدة، نشتري ونتعلم، نغيّر ونتغير.. السفر حياة.

أعاد الله كل المسافرين آمنين غانمين.