كان للحرب الباردة والصراع بين المعسكرين الغربي والشرقي تأثير كبير على العديد من الإستراتيجيات العسكرية والاقتصادية والفكرية والعلمية، وقد ساعد هذا الصراع على نشوء (علم الدراسات المستقبلية) وتنامت مراكز الدراسات المستقبلية البحثية في كل من الولايات المتحدة الأميركية وفي أوروبا، وأصبحت الدراسات المستقبلية تدرس ضمن المقررات الجامعية، وأنشأ لها العديد من الجامعات العريقة أقسامًا تعنى بدراسة المستقبل، بل وصل الأمر بحكومة السويد إلى إنشاء وزارة مستقلة باسم (وزارة المستقبل).

وعلم دراسة المستقبل أو علم المستقبل (Futurology) تتجاذبه العديد من الاتجاهات والحقول، فهناك من يراه (علمًا) وهناك من يراه (فلسفة) وهناك من يراه (فنًّا) وهناك من يراه جزءًا من (علم الاجتماع) وهناك من يراه جزءًا من (علم التاريخ)، ولكن بكل تأكيد لا يختلف اثنان على أهميته بالنسبة للفرد وللمجتمع وللأمة. (المستقبل) هو الزمن الحقيقي للأمم، وعندما سئل أنشتاين: (لماذا تهتم بالمستقبل؟) جاءت إجابته البسيطة والعميقة "إنني أهتم بالمستقبل لأنني ببساطة سوف أذهب إليه". ومستقبل الأمة قد ترسمه لنفسها بدقة وقد ترسمه بعشوائية، أو قد يرسمه لها الآخر الأجنبي حسب مصالحه ورغباته. ودراسة المستقبل، كما يؤكد على ذلك العديد من العلماء المهتمين في هذا الجانب، "ليست قضية سجال فكري أو تسلية ذهنية أو رفاهية ثقافية، بل هي مهمة لكل الدول المتطورة والنامية"، فهي التي تعنى بالسكان ونموهم وبالاقتصاد وتطوره، وبالفكر وتغيره، وبالثقافة وتنوعها، وبالعالم ومتغيراته وبالزمن وتأثيره، وهي التي تستمد منها الحكومات الرؤية والخطط والإستراتيجيات.

والدراسات المستقبلية أيضًا تساعد متخذ القرار، سواء كان على مستوى دولة أو مؤسسة أو فرد، على النهوض والتطور والتقدم بطريقة علمية من خلال قيامها باستشراف مستقبل الموارد المادية والبشرية، واستغلالها بالطرق العلمية التي تضع المستقبل هدفًا أفضل من الماضي والحاضر لتنطلق إليه، ولتأخذ الحيطة والحذر من القادم، وتدرس المحتمل والممكن بمعطيات الحاضر والتاريخ في ظل المتغير الزمني.

والملاحظ أن جامعاتنا الوطنية، حسب معلوماتي المتواضعة، لا يوجد بها أي قسم بمسمى الدراسات المستقبلية، كما أنه لا يوجد لدينا أي مركز حكومي بهذا المسمى يهتم بهذا الشأن، وإن وجدت مثل هذه المراكز فهي مراكز خاصة بأفراد أو مؤسسات خاصة، قد يتوفر بها الاجتهاد والحماس، ولكن تنقصها الإمكانات والاطلاع الدقيق على المعلومات المهمة، التي تبنى عليها مثل هذه الدراسات، ونحتاجها كدراسات علمية رصينة ترسم خارطة المستقبل بعيدًا عن الخرص والتنجيم.

تتويت:

وجود أقسام ومراكز حكومية متخصصة تعنى بالدراسات المستقبلية، أحد الأدوات المهمة والضرورية للتخطيط التنموي وللأمن الوطني، وفي ظل متغير العولمة السياسي والاقتصادي والقيمي تزداد الحاجة لهذه المراكز كازدياد الحاجة للمعرفة نفسها في عصر المعرفة.